عيون الحرب


خوذة زرقاء، وصدرية مضادة للرصاص، ميكرفون وهاتف محمول وكاميرا في اليد، وخمسة حروف بيضاء بخط كبير على الخوذة والصدرية
PRESS
أنهم مراسلو الحرب، عيون العالم في ساحة المعركة، ليست بقليلة هي الأفلام التي تناولت مراسلي الحرب، وفيلم المخرج الأمريكي أوليفر ستون، سلفادور إنتاج عام 1986، حول مصور الحرب ريتشارد بويل، الذي يسافر إلي دولة السلفادور في أثناء اشتعال الاضطرابات فيها بين القوات الموالية للحكومة، والمتمردين خلال فترة الثمانينيات واحد من بين هذه الأفلام.


بدأ الفيلم بعناوين توضح أنه استند لإحداث حقيقية موضوعة في إطار درامي وشخصيات خيالية، فكان الناتج واحدا من الأفلام المميزة التي تحمل اسم المخرج المعروف بمناهضة سياسات بلاده، وافلامه التي تعبر عن موقفه السياسي تجاهها.

انتقل الفيلم من رحلة بطله الشخصية إلي الوضع المأساوي العام في هذه البلاد، ريتشارد لم يذهب إلي سلفادور لنقل الوضع الإنساني هناك، ولكن بغرض المال، فهو مدمن للخمر والمخدرات، طرد من عمله بسببهم، لديه زوجة وابن يعيشون في فقر مدقع يتعرضون للطرد من شقتهم لعدم سداد الإيحار، تصطحب الزوجة ابنها وتعود إلى بلادها إيطاليا، وتترك ريتشارد وحيداً برفقة صديقه الطبيب الذي لا يختلف عنه كثيراً

يقرران الذهاب إلي سلفادور استغلالا للأحداث المندلعة هناك، لكسب المال من الصور التي سيلتقطها، قضى الفيلم الذي تبلغ مدته ساعتين، النصف الأول منه في رحلة هذا الرجل، الذي لا يعتبر بطلا بالمعنى التقليدي، ولكنه نموذج للبطل الضد، فهو مدرك أن حياته بائسة، ولا يحاول بأي شكل أن يبحث فيها عن المعنى، ويبدو أنه تناسى أيضا الرسالة السامية لمهنته، لذلك نجد أن المخرج وهو نفسه كاتب نص الفيلم، وضع شخصية بطولية أخرى يدعى جون كاسيدي، هذا المصور الذي يسعى لالتقاط ما يطلق عليه (اللحظة السحرية) التي يواجه فيها الإنسان الموت في الحرب، ويظهر ذلك في الجمل التي قالها لريتشارد وهم يصورون موتى إحدى الهجمات الحكومية على الثوار، فبيقول له:

– أتعرف ما الذي يجعل المصورون مثل روبرت كابا مشهورين وأغنياء؟
أنهم لا يسعون وراء المال، أنهم يصورون نبل المعاناة
الإنسانية

لكن ريتشارد لا يزال نزيها، ولديه مبادئه، فهو ليس بجاسوس عندما تحاول المخابرات الأمريكية استغلاله
يرفض بشدة
وضع المخرج حبكة فرعية في الأحداث تساهم في تغيير مصير البطل، وهي علاقة غرامية مع إحدى الفتيات في سلفادور، اتخذها ريتشارد هي وأبنائها بدلا لعائلته التي تركته وتركها، لكن طوال النصف الأول من الأحداث، يتصارع ريتشارد مع نفسه، ويحاول استغلال الماسي لكسب المال بأي شكل

لهذا قد يبدو السرد مشتتا لكنه يمثل الشخصية بالتيه الذي تعانيه، يبدأ التغير يزحف لحياة ريتشارد عندم يتم إلقاء القبض على شقيق حبيته الصبي الصغير، ويحاول ريتشارد التوسط لإخراجه من السجن، وكذلك محاولاته للحصول على إذن بخروج حبيبته وأبنائها من البلاد، نرى أول خطوة على طريق تغير شخصيته هو إعلانه التوبة والاعتراف بخطاياه في الكنيسة، لنرى بعدها الاختبارات الحقيقية التي يضعها القدر أمامه لاختبار مدى قوة عزيمته

يستغل المخرج في الفيلم حادثتين تاريخيتين مشهورتين في حرب السلفادور، اغتيال الكاهن أوسكار روميرو على يد القوات الموالية للنظام، ومقتل أربع راهبات من الحملات التبشيرية بوحشية بعد اغتصابهن

مشهد الكاهن روميرو واحد من أفضل مشاهد الفيلم، من قوة مستوى الحوار الذي تمثل في الخطبة أو الموعظة التي كان يلقيها في القداس، لتنتهي بنهاية مأساوية بمقتله

ثم الخطوة التالية في التغيير عندما يقتل شقيق حبيته بوحشية، وتتركه حبيبته، فيغرق ريتشارد في بحر الخمر والتيه، حتى يصل إلي الحدث الذي آفاقه على صفعة على وجهه، عند قتل الراهبات، قدم لنا المخرج الراهبة الشابة كاثي مور، وهي صغيرة مليئة بالحياة، تحب سلفادور وأهلها والحملة التبشيرية لمساندتهم، يربطنا المخرج بها وبطيبة قلبها، ولطف تعاملها مع ريتشارد، حتى يعرض علينا المخرج الحدث الوحشي، فنستفيق نحن قبل ريتشارد

بعدها يعود ريتشارد لسلاحه ( الكاميرا ) التي كان بدونها طيلة أحداث النصف الأول، لينغمس في النصف الثاني ويحاول برفقة جون كاسيدي تصوير معاناة هؤلاء الأشخاص. فينتقل بين القوات الموالية، والثوار لالتقاط ما يراه، يهاجمه ساسة بلاده هناك بأنه يساري شيوعي يساند الثوار، وهو يفضح سياسات بلاده هناك، عندما طلب منه قائد الاستخبارات العسكرية التلصص على الثوار وأسلحتهم

هنا ظهر المعدن الحقيقي لريتشارد عندما واجه كلا من المسؤول الحربي والسياسي باستغلال الحكومة الأمريكية لوضع السلفادور بورقة المساعدات العسكرية، في واحد من المشاهد التي تعلق في الذاكرة من أداء الممثل (جيمس وودز) الذي ترشح عن دوره هذا لجائزة أفضل ممثل في جوائز الأوسكار آنذاك، هنا تحدث ريتشارد بلسان أوليفر ستون ورفضه لسياسات بلاده، والقيم الزائفة التي تتغنى بها، وافتقاده لمبادىء دستور بلاده، بل وتجلت نزاهة ريتشارد عندما واجه الثوار بعد تصفيتهم للأسرى الجنود الموالين للنظام، هو يدرك أنه ينقل الحقيقة ولا ينحاز لأي طرف على حساب الحق

اوليفر ستون كان حاضرا في الفيلم، من خلال الفيلم نفسه كمناهض لسياسات بلاده، وكذلك في شخصية جون كاسيدي البطل الذي كان يعمل في الظل، المراسل الذي كان يسعى لنقل معاناة الإنسان، لذا؛ منحه المخرج نهاية عظيمة لنبل شخصيته، لم يستغل المخرج هذه اللحظة، ويحاول من خلالها استدرار مشاعر المتفرج من إستخدام الموسيقى التصويرية، لكنه استخدم اللقطة المقربة لجون وريتشارد في اللحظات الأخيرة والصمت لتقديم صرخة مكتومة


الفيلم بأكمله وببطله الضد يمثل تعامل أمريكا مع العالم، واستغلالها إياه بهدفها المزعوم منذ بداياتها، وهو حماية أراضيها ومواطنيها، حتى قرب النهاية بعدما ظن ريتشارد أنه على وشك النجاة هو وعائلته الصغيرة البديلة، يذكرنا المخرج أن الحلم الأمريكي والديمقراطية هم مجرد أوهام زائفة

كاميرا أوليفر ستون قاسية مثل موضوع فيلمه، في حركة مستمرة لا تهدأ إلا عند المشاهد الرومانسية القليلة، كانت تائهة أيضاً مثل تيه البطل، ثم جسورة تقتحم القتال مثل جون كاسيدي لنقل صورة تقترب من الحقيقة.
قدم أوليفر ستون صورة تخص بلاده ليعكس من خلالها مأساة نعيشها حتى اليوم لمجرد أننا نعيش على نفس الكوكب مع هذه الولايات المتحدة


الفيلم الوثائقي
عشرون يوما في ماريوبول
الوثائقي الحائز على جائزة الأوسكار للعام الماضي كأفضل وثائقي


عن تجربة مراسلين اوكرانيين في توثيق الهجومي والأحتلال الروسي لمدينة ماريوبول الأوكرانية
الفيلم أخرجه وصوره وكتب تعليقه الصوتي المراسل الأوكراني ميستسلاف تشيرنوف
الفيلم هو رحلة هذا المصور يالتي صحبنا خلالها بتعليقه الصوتي خلال الأحداث التي عايشها في المدينة
رحلة قاسية وعنيفة، نقلت تجربة محاولة صموده والنجاة بحياته لنقل الحقيقة، وكذلك من أجل أن يرى بناته مرة أخرى

صوته كان حزين هاديء في نقل الأحداث التي قدمها على شكل يوميات توثق الإحتلال، كانت كاميرته تنخفض، وتنظر إلي الأرض عندما يعلن عن كل حالة قتل يوثقها، كاميرته كانت أكثر إنسانية في هذه المشاهد

لن أتحدث عن مأساوية الوضع الذي نقله، نحن هنا أمام حقيقة وليست إعادة تصوير لها مثلما فعل اوليفر ستون في فيلمه، هنا الحقيقة ابشع، صراخات حقيقية، صدمة نراها على الوجوه صعب استيعابها، نحن نرى هذا كل يوم، كل يوم على الشاشات، فبات ما نراه في الفيلم ثقل آخر فوق الأثقال التي نحملها على كاهلنا كبشر على هذا الكوكب

أفضل إختيار قام به المخرج أنه لم يظهر بنفسه، إلا في لحظات خاطفة أو في انعكاسه في مرآة، لكنه كان مشارك بصوته وتصويره

في النهاية، الخوذة، والصدرية المضادة الرصاص، وكلمة صحافة لم تمنع في يوم رصاصة قناص، ولم توقف يد جندي في التصويب على المراسلين، فالحروب لا تعترف بالاعراف والقوانين الدولية، لكن هذا لم يمنعهم ابدًا في سعيهم الدائم لنقل الحقيقة

ليلى والأخرى


الجبل الجنوبي
فيلم مستقل من إنتاج عام 2019، للمخرجة هيلارى بروجر، ومن بطولة تاليا بلسم، سكوت كوهين


تبدأ الأحداث في إحدى ليالي الإجازة الصيفية مع عائلة ليلى، سيدة في أواخر الأربعينيات من العمر، كانت تعمل مدرسة للفنون التشكيلية، متزوجة من منتج تلفزيوني، لديها ابنة في عمر المراهقة، وأخرى ابنة زوجها من زواج سابق، تنقلب حياتها بعدما يقرر زوجها الانفصال عنها بعدما أصبح أبا من علاقة بأخرى تصغرها في العمر

أسباب توصيتي للفيلم هي نفسها الأسباب التي أحاول استكشافها وسبب تفضيلي له
حبكة الفيلم بسيطة وتقليدية، وشاهدت مثلها كثيرا بل وأفضل منها بكثير، لكن هناك دائما ذلك الشعور المُلّح الذي يجعلني أعود إليه مرارا وتكرارا لإعادة المشاهدة

أحداث الفيلم مدفوعة بحدث ميلاد الطفل من عشيقة الزوج، فتواجه الزوجة عواقب الأمر، فيتحول الفيلم ليصبح دراسة لشخصية امرأة تدفعها الظروف للتغيير غصبا عنها

يؤسس الفيلم حالة الاستقرار والسكون في مناظره الأولى للطبيعة الهادئة في المنطقة التي يتواجد فيها المنزل، كما لو كان معزولا عن صخب المدينة، نقابل بعدها بطلة الفيلم ليلى، صاحبة الملامح الهادئة والنظرية الناعمة، امرأة طبيعية تظهر على ملامحها سنها الطبيعي

تحضر لغداء عائلي برفقة عائلتها وجارتهم التي لديها ابنة في نفس المرحلة العمرية لابنة ليلى
عندما يتلقى الزوج اتصالا هاتفيا، ينسحب معتذرا ويختلي بنفسه، ويتابع على هاتفه ولادة ابنه، ندرك نحن المأساة قبل أن تدركها البطلة، وان حياتها الهادئة تلك على وشك أن تتقلقل…


بعد أن يخبرها زوجها بقراره بالانفصال، يبدأ تقسيم الأحداث على مدار أيام متفرقة خلال العطلة، تواجه فيهم ليلى التغير الذي يعصف بحياتها البسيطة الهادئة، فتبدأ بالغضب، ثم الإنكار، والتوهم بقدرتها على التخطي بعلاقة مع صديق ابنة زوجها الذي يصغرها كثيراً في العمر، ثم محاولة الانتقام، وهي محاولة توقفت عندها فهي من شدة تعلقها بالهوية التي منحها إياها الزواج، ومع الخيانة المتكررة للزوج ورجوعه إليها في كل مرة، وإدراكها أخيرا أن هذه المرة تختلف عن سابقتها، قررت الانتقام منه دون مقدمات، حتى تصل في النهاية إلى الاستسلام للأمر الواقع، مع تذكير ابنتيها أن عليها أن تتصرف كأم، وان مسئولية الأمومة هي السبيل لشفاء جرحها النفسي، لذلك مشهد النهاية قد يبدو مبهما لكنه هو الحل، أنها
فقدت زوجا لكنها أم، والحياة تجبرها على التخطي

قدمت المخرجة حالة التقبل الأخيرة في مشهد كان جميلًا في بساطته، بعدما رفضت الفتيات مصالحة الأب أو تقبل قراره، ورفضوا مقابلة شقيقهم الصغير، بعدما أحضره والده خارج المنزل، التفوا حوله، وأدركوا أن والدهم قد يرحل لتقدمه في العمر وهم الباقون لمساندة شقيقهم الصغير، كانت ليلى تشاهد المشهد من بعيد، داخل منزلها، وراء الباب الذي لم يصلحه زوجها، تنسحب تدريجيا للخلف حتى يعمها ظلام المنزل، لتعكس في استسلام قبولها أخيرا لأمر صار واقعا

ربما يرجع السبب وراء إعجابي بالفيلم، إلى الحميمية الموجودة في المنزل، هو منزل متواضع، عادي، أشياء ساكنيه مبعثرة في كل مكان، أشياء تدل على هويتهم، مثل اللوحات الفنية التي رسمتها ليلى
والسكون الذي يغلفه من البيئة المحيطة به، وطبيعة المكان، هناك ألفة ودفء في البيت الذي تحاول أن تحافظ على كيانه البطلة، لهذا تظهر صورتها على الملصق الدعائي للفيلم وهي تحتضنه بيديها

ربما أعجبني الفيلم وتعلقت به بسبب بطلته، والأداء الراقي، السهل الممتنع من الممثلة تاليا بلسم، هي امرأة لاتزال محتفظة بجمالها وجاذبيتها، وأيضا نرى تقدم العمر على ملامحها الهادئة، يسألها في أحد المشاهد الأولى من الفيلم الشاب صديق ابنة زوجها، ماذا تعملين، بعدما تنظر إليه طويلا، ترد عليه، والمرارة تغلف نبرة صوتها، أنا حاليا اعتنق البطالة


بهذه الجملة قدمت لنا الممثلة العيب الذي تنكره الشخصية وعليها أن تواجهه عاجلاً قبل آجلا، السكون في حياتها العملية لاعتمادها على استقرار وهمي لحياتها الشخصية، الذي اختل بقدوم طفل جديد، الذي كان استعارة لحياة جديدة للزوج، وكذلك بالنسبة لليلى التي عليها أن تبدأ باستكشاف نفسها من جديد


قدم لها هذا الشاب نصيحة، أن عليها أن تغادر، أن تترك نفسها لدروب الحياة تعلمها وتتعلم منها، بالمختصر أن تعيش، لهذا جاء عنوان الفيلم (الجبل الجنوبي) الذي هو الوجهة التي يرتحل إليها هذا الشاب، وهو يخبرها بها، كما لو كان لسان حاله يود أن يقول، لقد حان الوقت أن تتركي هذا المكان أيضا وتنطلقين الي هذا الجبل لتقابلي الحياة هناك بانتظارك

ربما أحببت الفيلم لأنني قابلت في حياتي امرأة كانت بلا حول ولا قوة لاتخاذ قرار الابتعاد عن زوجها الذي كانت تتكرر خيانته لها، وكانت راضية بالاستقرار الوهمي الذي يعم منزلها، وزواج منحها هوية لم تعرف في حياتها سواها

كنت اود احتضان ليلى، مثلما كنت اود احتضان تلك المراة، واخبرهن إن الأصعب قد مر، وعليهن الآن النظر بداخلهن لاستلهام القوة، هذه المرأة التي تشبه ليلى ذهبت لأرض أخرى قبل أن أعرفها حق المعرفة، قبل ان نفترق

ليلى جلست أخيرا في النهاية مع ابنتها الصغيرة تشرب معها الشاي، وتعلو على وجهها سكينة التقبل، في وسط الطبيعة الهادئة، والمنزل من خلفهما

ربما سأعود للفيلم مرات أخرى لاكتشاف سر إعجابي به، في يوم صيفي مثل أيام الفيلم، كي أقابل ليلى ومعها المرأة التي رحلت

سهرة مع الشيطان



في ليلة عيد القديسين عام 1977, استضاف المحاور  چاك ديلروي مقدم البرنامج الحواري الترفيهي الليلي (بومة الليل) وسيط روحاني، وآخر مختص في التنويم المغناطيسي ومعالجة للظواهر الخارقة بصحبتها فتاة صغيرة تدعي أن الشيطان يسكن جسدها، ليحقق المحاور الذي كان بدأ يخبو نجمه أعلى مشاهدات في تلك الليلة التي انتهت بكارثة ليس عليه فحسب ولكن على مشاهديه أيضاً.


تعمد مخرجو فيلم سهرة مع الشيطان استخدام الأسلوب الوثائقي في بداية أحداث الفيلم، إيهاما بواقعية الأحداث، ولتأسيس كل من الظروف الاجتماعية والسياسية التي أفرزت الحاجة لنوع معين من البرامج الترفيهية لتسلية المشاهدين كنوع من الهروب مما كانت تمر به أمريكا آنذاك، وكذلك لتأسيس خلفية الشخصية الرئيسية التي ستصحبنا طوال الأحداث.

الأسلوب الوثائقي الذي اختاره مخرجي الفيلم في القسم التمهيدي له يضاهي الرهبة التي يحدثها وقع جملة
(الفيلم مقتبس عن أحداث واقعية)
فتزداد عملية الإيهام، والاستسلام لما هو معروض على الشاشة بضمان هذه الجملة التي تعد بشيء من الحقيقة
كذلك الأسلوب الوثائقي الذي يعمد استخدام اللقطات الأرشيفية لإحداث ووقائع حقيقية، مع استخدام الصوت السلطوي للراوي وتوجهه بالحديث مباشرة إلى المشاهد، خالقا بذلك الإيهام الكاف للحالة المرغوب فيها من صانعي الفيلم.

أتبع الفيلم الأسلوب الكلاسيكي في الحكي، بعد المقدمة الوثائقية التي قد نعتبرها المعادل للدور الذي كانت تقوم به الجوقة في المسرحيات الإغريقية القديمة ألا وهو تهيئة المتفرج للأحداث، فحافظ الفيلم على وحداته الثلاثة، وحدة المكان ( استديو البرنامج الحواري ) ووحدة الزمان ( ليلة عيد القديسين في عام ١٩٧٧) ووحدة الحدث، الذي أتبع البداية والوسط والنهاية لعمل إذا جاز لنا أن نصنفه تحت قائمة الحكايات المأساوية التي تلقى ببطلها للهاوية بسبب مثالبه، والبطل هنا له هدف وهو تحقيق أعلى نسبة مشاهدة حتى ينقذ برنامجه.

يلقي هذا الهدف بظلاله على حقيقة تحدث في كواليس إعداد البرامج الحوارية بهدف الاستمرارية، وهي استغلال الأحداث والأشخاص دون التحقق أحيانا من صحة المعروض في هذه البرامج، وبالتالي آثاره الخطيرة على المتابعين

تجسد هذا الموضوع من خلال تدرج في حالة الرعب والمفاجأة من المواقف المعروضة في الحلقة، والتردد بين التصديق والتكذيب، فحافظ المخرجون على تقييد السرد فنحن كمشاهدين للفيلم وبداخله البرنامج لا نعلم أكثر من شخصياته، وبالتالي ما يقع عليهم يقع علينا، وهذا كاف لخلق الدهشة والترقب والمفاجأة وبث الرعب أيضاً.

مشهد استحضار الشيطان والتحدث معه، وطريقة الاعداد للمشهد والتحضير له كان واحدًا من المشاهد المصممة بحرفية من المخرجين، استخدامهم الصمت لخلق حالة الترقب، واستخدام اللقطات المقربة أو الكبيرة لتقربنا من الفتاة أثناء حالة الاستحواذ، هذا المشهد كان واحد من المشاهد التحضيرية متقنة التنفيذ لمشهد النهاية الصادم

الفيلم نجح في إعادة تصوير روح فترة السبعينيات من خلال الملابس وتسريحات الشعر والديكور، واستغل أيضا الفيلم السمات المميزة والمشهورة لكلاسيكيات الرعب في تلك الفترة، مثل فيلم طارد الأرواح الشريرة، وأفلام الطوائف، حتى الأسلوب الوثائقي المتبع مستوحى من فيلم الرعب السلاشر مذبحة منشار تكساس
كان ممكنًا لهذا الإرث أن يقف عائقا أمام مخرجي العمل لكنهم استغلوه جيداً لتقديم عمل بسيط لكنه مرعب
وذكي في تناول الموضوعات التي ذكرتها سلفا.

وكذلك إيقاع المونتاج المتصاعد طوال وتيرة الأحداث رغم أتباعه لنمط معين في تقسيم الأحداث، بمعنى الحلقة المصورة ثم الانتقال خلف الكواليس، إلا أن وتيرة الأحداث كانت في ارتفاع عن سابقتها، مع حرص المخرجين على الانتقال بين المقياس التقليدي لحجم شاشة التلفزيون القديمة أثناء مشاهد عرض الحلقة مع المقياس العريض في مشاهد خلف الكواليس بالأبيض والأسود، مما عزز من حالة الإيهام بالحقيقة

أكثر ما أعجبني كانت مأساوية شخصية البطل ديفيد ديلروي الذي كان يشبه البطل التراجيديا، نقابله في البداية وهو عزيز القوم الذي يتبع أهواءه حتى يصل لنقطة اللاعودة والندم

قدم الممثل دايفيد داستمالشيان ممثل الأدوار المساعدة والثانية دور البطولة هنا، تمكن من أداء دور المذيع المفجوع بفقدان زوجته، والمندفع وراء أطماعه لاستغلال ضيوفه وزملائه في العمل لنجاحه الشخصي، حتى ينقلب السحر على الساحر، ويواجه قوى أكبر منه، حتى يستجدي بمتفرج لا يراه، قد يكون نحن، أو المشاهد الافتراضي للحلقة في تلك الليلة أن يغلق التلفاز، قدمه الممثل بأداء يغلب عليه التيه والخوف مما اقترفته يداه.


تبدأ الأحداث على صوت الضوضاء البيضاء للتلفاز، وتنتهي بها أيضا، وما بينهما رعب يعكس رعبا حقيقيا يسكن أجهزتنا الحديثة ويحاول الاستحواذ علينا يوميا وتنويم عقولنا بحجة الحقيقة والترفيه

سلسلة انطباعات قصيرة – رسائل قصيرة خبيثة


رسائل صغيرة خبيثة
في مدينة ليتيل هامبتون في بريطانيا وقعت حادثة مثيرة للجدل تنساها التاريخ حتى خرجت للنور من خلال أحداث الفيلم الكوميدي
رسائل صغيرة خبيثة
عن سيدة تدعى ايديث من عائلة متدينة محافظة تتلقى رسائل مشينة من شخص مجهول، تتجه أصابع الاتهام إلى جارتها روز المهاجرة الأيرلندية.

لولا النوع الكوميدي الذي ينتمي إليه الفيلم، لكان ثقيلاً جداً على النفس.
الكوميديا هي النوع القادر على تمرير نقد لاذع مستتر وراء ضحكة، من خلال إلقاء الضوء على نقائص الأفراد والمجتمعات، فتحدث الأثر المنشود من وراء العمل الكوميدي وهو التغيير.

وهنا كشفت الكوميديا عن علل كثيرة لهذا المجتمع الصغير الذي يلقي بظلاله أيضا على حالة ثقافة بلد بأكملها، فألقى الضوء على العنصرية تجاه المهاجرين الإيرلندية والشقاق بين البلدين، العنصرية والتحيز الجنسي تجاه المرأة (في حالة العنصرية تجاه روز، وكذلك الشرطية)، والسيطرة الذكورية والأبوية على المجتمع (سيطرة والد ايديث، ورئيس الشرطة وكذلك الشرطي المساعد وممارستهم الذكورية تجاه الشرطية، والقاعدة التي كانت تشترط عدم زواج الشرطية وإنجابها لأطفال)، كما تعرى الكوميديا أيضا نماذج لتماهي المرأة مع الصورة الذكورية السلبية عنها وخضوعها لها في حالة ايديث.

هذا واحد من الأفلام الذي ينقل المشاهد بصورته إلى أجواء فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، من خلال قدرته على تصوير روح تلك الفترة، من خلال تصميم الأماكن والمنازل، وكذلك الملابس والمكياج.

لكن العنصر الفني الأبرز في الفيلم هو التمثيل، القطبية بين شخصية ايديث المكبوتة وشخصية روز المتحررة سليطة اللسان، قدمتهما باقتدار الممثلتين أوليفيا كولمان وجيسي باكلي، فنفخوا الحياة في هذه الايديث التي كانت مثل البركان الخامد الذي يغلي بداخله وندرك أنه على وشك الثوران في أي وقت، أما روز التي قامت بها باكلي تعيد إلى الأذهان واحد من أجمل أدوارها الأولى في فيلم روز الجامحة.

تنوعت الكوميديا داخل الفيلم من كوميديا الهجاء بين الشخصيات، وكوميديا المواقف، وكذلك الحس الكوميدي لطابع كل شخصية.

فكانت المحصلة فيلماً عرض حادثة تناسها الزمن، ونبشت عنها السينما وإعادتها للحياة لما تعكسه في وقتنا الحالي، فاستخدمت الماضي مرآة وإسقاط للحاضر، للمناشدة بتحرر المرأة من السيطرة الأبوية والذكورية عليها




طهارة الطاهرة

استوقفني فيلم الطاهرة للمخرج مايكل موهان، وبطولة سيدني سويني، بسبب حملة الترويج له من قبل شركة نيون لخوض الممثلة الشابة تجربة إنتاجه أيضاً.



الفيلم يدور حول راهبة شابة تدعى سيسيليا تترك بلادها بعد غلق الأبرشية التي كانت تنتمي إليها في أمريكا، وتذهب إلى إيطاليا بعد دعوة أحد القساوسة لها لكي تقدم نذورها في دير يعني بخدمة الراهبات المسنات، لكنها تكتشف أسرارا مخيفة حول المكان

يستهل الفيلم أحداثه بصوت إحدى الراهبات وهي تردد
آية من إنجيل لوقا
«مباركة أنتِ في النساء، ومباركة هي ثمرة بطنك»
قد تبدو هذه الآية عادية تتلوها الراهبة وتستنجد بالعذراء لمساعدتها.
لكن الفيلم الذي ينشد أن يتذاك على المشاهد بنصه الركيك، يحاول هدم الصورة المقدسة لهذه الآية بما بتناسب مع الوضع المعاصر

قررت أن أتعامل مع نص هذه الآية بمعانيه المجردة، بكل ما تنطوي عليه، انا لا أقرأ نصا مقدسا ولا اقدم تفسيرا ولكن احاول قراءة النص التحتي الذي اعتمد عليه نص الفيلم واتخذ من هذه الآية سترا له

يتعامل الفيلم مع مفهوم عفة العذراء، وارتباطها بابنها في النصوص المقدسة، ولو توقفنا على مسافة من هذه النصوص، سنجد أن هوية العذراء مرتبطة ارتباطا وثيقا بوليدها وهويته، بل هذا الابن هو الذي شكل هويتها أمام العالم، فهي التي أتت به دون دنس، ومعجزة للبشرية

يحاول الفيلم شطر هذه الصورة بطريقة ساذجة، وكتابة رديئة، بداية من المشهد الأول الذي حاول من خلاله المخرج بناء جو الفزع والتشويق عند محاولة إحدى الراهبات الهروب من الدير، ليظهر ورائها أربع راهبات ملامحهم غير واضحة يغلفهن الضباب ويتحركن بإيقاع ثابت يدعو للرهبة على وقع موسيقى مشؤومة، كأنهن الفرسان الأربع في سفر الرؤيا المبشرين بيوم القيامة، يمنعن الفتاة من الهروب بطريقة مرعبة، وضع هذا المشهد لتأسيس المزاج العام للفيلم، ولطرح الأسئلة، وفي نفس الوقت يعلن انتماءه للأفلام الطوائف

وبشكل تقليدي ينتقل الفيلم بعد ذلك لنقابل بطلته سيسيليا وهي تخضع للتفتيش في المطار، دار بينها وبين الضابط حوار، وهو يحاول أن يفهم أنه لا بد من أن قرارها بالرهبنة كان قرارا صعبا، لترد عليه أنه لم يكن قرار من الأساس، هذا الرد إن دل على شيء فإنه يدل على أن يقين هذه الفتاة راسخ في شخصيتها ولم تكن هناك حياة أخرى عزفت عنها لتختار طريق الرب بديلا لتسلكه.

تذهب بعد ذلك إلي الدير، وتتعرف على من هناك، هناك دائما الراهبة التي تحقد على الوافدة الجديدة وتحاول أن تثنيها عن تقديم نذورها، ليأتي بعد ذلك مشهد تقديم
نذور العفة أمام الكاهن الأكبر في مشهد يشبه الزواج، ، مع لفتة لا معنى لها بالنسبة لراهبة تستعجب من تقبيل الخاتم البابوي عند رسامة الراهبات وتقديم نذورها
فأصبحت مقدمة الفيلم تشبه قدوم العروس الجديد لبيت زوجها

يبدأ الفيلم بعد ذلك أن يكشف عن نصه التحتي المتذاكى تدريجيا، عندما تسمع الراهبة صوتا بكاء راهبة أخرى وهي تبتهل أمام الصليب فتسألها عن مصابها وهو سؤال كان سخيفا يصدر من راهبة شابة سبق أن تواجدت في دور الرب، لتقم الأم الكبيرة بتقديمها إلى أثر مقدس يحتفظ به الدير وهو أحد المسامير التي قد ثبت بها جسد المسيح على الصليب، تحمله الفتاة في يديها ثم يغشى علي

لتصحو من نومها بعد كابوس أشبه بكابوس الحمل من الشيطان في فيلم طفل روزماري للمخرج رومان بولانسكي
بعدما تمضي الأحداث واستقرار الراهبة في الدير تصاب بالإعياء، لتكتشف بأمر حملها رغم عذرتيها، ويصدق عفتها الكاهن الأكبر والأم الكبرى ويشهدون أن ثمرة بطنها مباركة ومعجزة جديدة

مشهد الكشف عن الجنين والذعر على وجه الشابة التي لا تفهم ما أصابها، كانت تظهر إلى جانبها أيقونة العذراء تحمل طفلها، وكذلك الصليب المعلق في الحجرة
يبدأ بعد ذلك تقسيم الفيلم إلى أثلاث وهي فترات الحمل، ومعاناة الراهبة فيهم، وارتيابها إن ما يحدث لها ليس مباركا وإنما من الشيطان


هنا يحاول الفيلم ألا يهجو المقدس صراحة لكن يطرح فرض أن ما حدث للعذراء قد فرض عليها، وربما تخبطت في حياتها لتقبل الأمور وهلعت مثلما تفعل الراهبة

عند إعلان عفة الراهبة ومعجزة الطفل، يتم الاحتفاء بها في مشهد ايقوني يضع الممثلة في إطار الأيقونة بالرداء السماوي للعذراء والطوق فوق رأسها بدل هالة النور، ورفعت في مستوى أعلى من البقية، وتطلعت إليها الكاميرا من أسفل لتضفي عليها جلالا ومهابة مثل العذراء
لكن إذا ما دققنا في هذه الصورة المنمقة الأيقونة نجد حزن الفتاة وهلعها، تعكس بذلك تأويل آخر لتجربة العذراء.



مع تطور الأحداث تتلقى التحذير من الراهبة التي قابلناها في أول الأحداث، وأثناء محاولة هرب تلك الراهبة تتبعها سيسيليا لتكتشف أنها تخضع للتعذيب والعقاب من قبل الأربع راهبات المتلثمات، والراهبات التي تحقد عليها نكتشف سبب حقدها لأنها كانت تتمنى أن تكون هي المختارة، لقدم بعد ذلك على الانتحار في مشهد مستوحى من فيلم
the omen

تحاول الفتاة الهرب والنجاة بحياتها بعد هذه الاكتشافات، ليعرض عليها القسيس الذي أتى بها إلى هذا المكان من البداية حقيقة ما يحدث، وان الدير يحاول استنساخ المسيح من أنسجته المتبقية على مسمار الصلب، وأنها ما هي إلا واحدة من سلسلة طويلة من التجارب على أخريات قبلها وهناك أخريات في حال إذا ما فشلت هي،
الحوار هنا بينها وبين القسيس عند مواجهته بأنه يحاول أن يلعب دور الإله والإتيان بمعجزة جديدة
إذا ما نظرنا لهذا المشهد بالتجاور مع البقية في الحكاية فهو يعلن بكل قوته عن السلطة الأبوية المتمثلة في الرب وفرضها على العذراء، لكنه يعرضها بسذاجة أن الوليد سيحمل وسيستكمل نفس رسالة المسيح، منطقا ساذجا بنيت عليه حجة حبكة الفيلم

تنجح بالنهاية الفتاة في الهروب وهي تعاني من الام المخاض، وتخرج من الدير بعد صراع دام مع القسيس الشاب كخروج جنينها من الرحم، في مشهد يحاول العبث فساداً بصورة الولادة، فالراهبة مخضبة بالدماء تصرخ بأعلى صوتها، والكاميرا لا تبتعد عن ملامحها الغاضبة والمتألمة، لتقطع بعد ذلك الحبل السري باسنانها، ثم تقرر مصير هذا الجنين
في مشهد يطرح مصيرا مغايراً للعذراء وولدها، ويطرح من خلال الحل في النهاية الفصل بين ربط هوية العذراء بمعجزة الطفل وسطوة الإله، حرص المخرج على عدم ظهور الجنين، ولكنه لم يقصد ذلك اقتداء بما فعله رومان بولانسكي في فيلم طفل روزماري الذي تسبب في هلع المشاهدين من ترقب رؤية ابن الشيطان على الشاشة الكبيرة ، لكن هنا نسمع فقط أنفاس جنين لم يصرخ حتى، يقطع بيننا وبينه المخرج اي صلة مرئية حتى لا يخلق اي تعاطف يمنعنا من الموافقة فيما ستقدم على فعله الأم حتى تتحرر منه.

لم يكلف السيناريو نفسه عناء تفسير السبب وراء اختيار سيسيليا تحديدا، واكتفى بأنه إن لم تكن هي فستكون أخرى غيرها، أو أهتم بتأسيس حكايتها، عدا نقطة أنها أنقذت من موت محقق وهي طفلة فأدركت أن لا بد للرب له خطة أو غاية لتقم بها،
الفيلم يعاني من فقر في رسم شخوصه، ناهيك عن الممثلة من الأساس، ربما يحتسب لها تنوع أدوارها، لكن تظل صورتها المثيرة في أدوارها السابقة حاضرة وتلقي بظلالها على هذا الدور، حتى الزمان في الفيلم مبهم، هو الحاضر خارج الدير، لكنه أي حاضر، أي عصر من العصور، الزمان المبهم جعل من الأحداث والمؤامرات من هذه المؤسسة وارد حدوثها في أي وقت


لا يعلق في الذاكرة أي أداء يذكر في الفيلم، ولا حتى لحظة هلع واحدة، عدا صراخ البطلة في النهاية، فالمخرج أكد أن مشهد النهاية الدامي كان يعد له من البداية، حتما سيتذكر المشاهد الممثلة وهي تصرخ مليء رئتيها

صورة الفيلم جيدة، لكنها لم تأت بالجديد في المزاج العام للفيلم، فتفردت الموسيقى التصويرية التي وضع فيها المؤلف جهدا باستخدام آلات موسيقية من أوروبا الشرقية، جميعها وتريات ذات صوت له طبيعة خاصة، مع ترانيم كورالية، هي التي خلقت الجو المشؤوم للاحداث

تدثرت فكرة الفيلم في عباءة الأفلام التي تهاجم المؤسسة الكنسية، وتصويرها كطائفة متطرفة، لكنه باقترابه الساذج من قدسية العذراء، وتصويرها بشكل مغاير ليتماشى مع سياسات الوقت الحالي بهدم المقدس وتحدي الأنظمة الأبوية أصبح مرآة مشوهة تعكس فكر صانعيه.

شيء ما ليذكرني


الشخصية في الدراما هي فعل ورد فعل، والفعل فيها مبني على عدة مؤثرات تبني الشخصية، وتؤثر وتتحكم فيها أيضا
وضعت الدراما الأساس بكلاسيكيتها إن ندرك السبب والنتيجة في مسارات الأحداث، وكذلك بالنسبة للشخصيات، ليأتي
بعد ذلك الفنان ويتمرد على هذه الكلاسيكية، ويقوم أحيانا بإخفاء الدافع خالق بذلك التساؤل، وتعزيز الفضول لدى المشاهد

إذا خرجنا من نطاق الدراما المحكية إلي النطاق الأوسع لدراما الحياة، نجد أن كل نفس تنطوي على خفاياها، لديها أسبابها وأفعالها التي تتفاعل بسببهم مع محيطها، هذا هو الواقع الذي يحافظ عليه المخرج الألماني كريستيان ببتزولد في أعماله، لا يسرد حكاية بمفهومها التقليدي الأرسطي، لكنه يتتبع شخصيات، لهم ماض وتوجد أحداث تؤثر على قراراتهم، وبناء عليها نشاهد ردود أفعالهم، لكنه في الوقت نفسه لا يحاسب شخوصه، بل يتوقف عند مسافة بينهم، لاستعراض مواقفهم في
الحياة.

قد يبدو لوهلة أن صوت بتزولد غائب في الحكاية، لكنه قد يكون على لسان راو مراقب مثل فيلمه انتظارا مؤقتا- ترانزيت، أو قد يصل إبداعه في حفظ المسافة بينه وبين شخوصه في أن يضع رأيه في أغنية تستمع إليها الشخصيات، وتجري كلماتها على ألسنتهم، لكنهم بعيدون كل البعد عن رسالتها، مثلما حدث في فيلمه الرجل الميت، بعنوانه الألماني Toter Mann

معنى العنوان بالألمانية هو “وضعية السباح الذي يطفو على سطح المياه وهو يضم ساقيه، فاردا ذراعيه إلى جانبيه” وهي الوضعية التي نقابل بها ليلى بطلة الفيلم في أول الأحداث، في حمام سباحة عام، تلفت أنظار أحد المحامين يدعى توماس، تتقرب منه وتقضي ليلة في منزله ثم تختفي بعدما تسرق حاسوبه الخاص، وتترك عملها وتغير محل إقامتها، لنراها بعد ذلك تعمل في أحد المصانع، تجذب انتباه مجرما سابقا يدعى بلوم، ندرك مع تطور الأحداث أثناء رحلة بحث توماس عن ليلى العلاقة بينها وبين بلوم

ملخص حكاية لفيلم حرص من خلاله المخرج على حجب الأسباب والدوافع، وبقي أمامنا ردود أفعال، الحجب هنا مرتبط بدوافع البطلة، التي كانت تشبه حورية السيرانة في الأساطير الإغريقية، التي كانت نصف إنسان ونصف سمكة، تغوي الصيادين بغنائها حتى تقودهم إلى حافة الجنون.

ليلى كانت دائما بالقرب من الماء، خرجت منه في أول الأحداث عندما وقعت أنظار توماس عليها وانجذب إليها، لتبدأ لعبة الإغواء المستتر مثل الحورية المغوية، لكنها لا تغني وإنما تنسج خيوطها بالتدريج حوله حتى تختفي من حياته بعد أن تسرق حاسوبه المحمول، وهنا تظهر الأسئلة الدرامية الأولى في الأحداث، لماذا فعلت ذلك، ولماذا غيرت مسكنها، وتركت عملها، ولماذا سرقت حاسوبه، ولماذا هربت منه عندما قابلها بالصدفة قبل رحيلها

نرى دموعها وتأزمها عندما تشاهد صورا لحادث على الحاسوب، لا نعرف السبب ولماذا تأثرت، حتى تاريخ شخصية ليلى وخلفيتها الاجتماعية قد حجب عن المشاهد مثل أسباب والدوافع وراء أفعالها، تذهب إلى بلدة أخرى وتعمل في مكان لا يليق بها، تستأجر منزلا بملحق لا أحد يستأجره، وهي تقوم بذلك بحجة أنها فنانة وبحاجة للهدوء، تتقرب من بلوم الخارج من السجن مؤخرا، من هنا يبدأ الفيلم في ربط خيوطه السردية المبعثرة، هذا المسجون هو نفسه الذي يتولى توماس الدفاع عنه ويحرص على حصوله على فرصة أخرى في الحياة.

موضوع الفرصة الثانية موجود في كل أعمال المخرج، لكن دارئما هنالك ما يحول بين شخصياته وبين هذه الفرص، في حالة ليلى يظهر الدافع المستتر وراء أفعالها وهو (الانتقام) فهي تسعى للانتقام من المجرم الذي اغتصب شقيقتها
وبالتالي هي أيضا ثيمة انتقام لكن مع ببتزولد قام بتغيير النمط المعتاد في سردها، لم نر الجرم، ولم نتعاطف مع الضحية، ولم نر أثر الجريمة على عائلتها، ولم نر تصميم شقيقتها على الانتقام، لكنه أخفى كل هذا بداخل نفس ليلى

والثأر محفز عاطفي يحث الشخص على الفعل من أجل استعادة السلام النفسي، لكنه يتوقف به الزمن أمام ألمه، بينما تمر أيامه، توقف الزمن أمام الرغبة في الانتقام هي التي تعد الوقود لهذا المحفز، إذا جاز لنا التعبير عنه بأنه زمن نفسي، أمام الزمن الفعلي للحياة التي تمضي به، هذان الزمنان جديران بخلق صدع في الشخصية بين الرغبة في الانتقام، والحاجة إلى استكمال الحياة، مثلما فعلت ليلى بعدما استجداها توماس قبل أن تختفي من حياته، كانت تصارع نفسها بين ولائها للانتقام وبين إعجابها به، وهذا المشهد كان نذيرا لحقيقة شخصيتها واختيارها في النهاية عند مواجهتها للمجرم.

شخصية المجرم كانت شخصية معقدة أيضا، بدءا من اختيار الممثل سڤين پيپج بهيئته التي تستجدي تعاطف المشاهد، وطبيعة شخصيته الهادئة، وكذلك إخفاء السبب وراء قضاء عقوبته في السجن، زد على ذلك أن المخرج قد وضع شخصية زميل له في العمل متحرش بالنساء، ولم نر من شخصية بلوم أي تجاوب معه
وهذا سيضع المشاهد في مأزق أخلاقي إذا ما أحب أن يصدر بحكمه على هذا الرجل، وما فعله بعدما أعترف بجرمه أمام
ليلى، وأمامنا

يطرح بتزولد من خلال هذه الشخصية معضلة فلسفية وهي هل بلوم في الوقت الذي نقابله فيه وكذلك ليلى هو نفس المجرم الذي ارتكب الجريمة، أم هل تغير، وهل يجب الصفح عنه؟، أسئلة يضعها أمامنا المخرج وأمام بطلته، ورغم أن بلوم قد قرر هو مصيره بنفسه في النهاية، إلا أن المخرج لم يصدر أي حكم عليه، ولا على أي من شخوصه

أفلام بتزولد معقدة سرديا أكثر منها أسلوبيا، الفيلم هنا ينتمي لجماليات السينما الواقعية، إضاءة طبيعية، تصوير في أماكن خارجية، بمصادر إضاءة طبيعية، وكذلك زوايا وحركة كاميرا لا تلفت الانتباه. عدا مشهد المواجهة، استخدم فيه بتزولد التباين بين الظلال والنور، وجعل ليلى في ظلال سوداء وهي تحكي ما وقع لشقيقتها، هنا كان لسان المنتقمة يتحدث، لذا؛ كان اختيار حجبها في الظل اختيار رائع ومعبر عن احتجاب نفسها وراء نزعتها الانتقامية

طبيعية الصورة وواقعيتها عززت من لغز دوافع شخصية الأبطال، استخدام اللون الأزرق مع ليلى، وهو لون هادئ وبارد على عكس ما يعتمر بنفسها، وهو أيضا كان له وظيفته المضللة عن حقيقة البطلة
، واستخدام المياه كعنصر مرئي متكرر، وتواجدها بجانبها في بداية الأحداث، ثم عند انتقالها إلى مكان آخر كانت تجلس
بالقرب منها، كانت مثل حورية السيرانة التي تشتد جاذبيتها بالقرب من المياه…

كما استخدم أيضا بتزولد عنصر الموسيقى/ الأغاني لأداء وظيفتين
الأولى كانت بمثابة لسان حال المخرج في أن خلاص شخصية ليلى والمأزق النفسي الذي تعاني منه هو الحب والمغفرة، وهذا كان من خلال اختياره لأغنية
What The World Needs Now- ما الذي العالم بحاجة إليه الآن

أما الأغنية الأخرى فهي التي حمل الفيلم اسمها في عنوانه باللغة الإنجليزية
Always Something There to Remind Me- شيء ما ليذكرني
هذه الأغنية كانت وظيفتها التذكير الدائم ( الزمن النفسي) الذي يعيش وراء أسواره كل من ليلى وبلوم، عندما أختار المخرج أن تكون في مشهد العشاء الحميم بينهما قبل المواجهة.

جدير بالذكر أن هذا الفيلم شهد بداية التعاون بين المخرج والممثلة نينا هوس، التي قدمت في هذا الفيلم أداء مقيد، لا تبوح ردات أفعالها بما تضمره، لكنها سمحت لعواطفها أن تطفو على السطح في نقاط ظهرت من خلالها هشاشة البطلة ومعاناتها، مثل مشهد انهيارها بعد المواجهة، لكن هناك مشهد ربما يمر مرور الكرام على المشاهد لكنه يبوح الكثير عن معاناة الشخصية، كانت ليلى تغني بالمطبخ الذي تعمل به، وإذا ببلوم يدخل عليها المكان ويقطع خلوتها، هنا تحول أداء الممثلة من الهدوء والانسجام الي شراسة الحيوان الذي يدافع عن نفسه وعن مكانه الخاص، هذا الأداء كان مساهم رئيسي في تعميق التساؤل حول غموض شخصيتها وتصرفاتها

الفيلم يحمل ثيمة انتقام ليست بجديدة، لكن بتزولد جردها من عاديتها ونزل بها على درجات سلم الواقعية ليقترب أكثر من شخصياته حتى يتسنى للمشاهد تفهم دوافعهم وربما الحكم عليهم بحب

السادية بين ظلال جراي وتسعة أسابيع ونصف

اثناء مشاهدة سلسلة أفلام
Fifty shades of Grey

تذكرت فيلم تسعة أسابيع ونصف، الفيلم من إخراج المخرج أدريان لين، وبطولة كيم باسنجر وميكي روروك، في حكاية تشبه حكاية جراي، ولكن شتان ما بين السلسلة بأكملها، وفيلم واحد في تناول موضوع السادية
في فيلم تسعة أسابيع ونصف البطلة مطلقة، تدير أحد معارض الفنون، تقابل رجل يعمل في سوق الأوراق المالية، وعلى مدار التسعة أسابيع ونصف نشاهد تطور العلاقة بينهما، وأثرها على البطلة.

الفرق بين العملين نابع من وجهة النظر التي يتناولها كل واحد منهم، بمعنى أن فيلم جراي قامت بكتابة الرواية امرأة، وكذلك السيناريو لكن حكاية الأفلام كانت من وجهة نظر جراي، وليست أناستازيا الفتاة البريئة التي تقع في براثن علاقة سادية مع جراي

أما فيلم تسع اسابيع ونصف، هو ايضا مقتبس عن كتاب سيرة شبه ذاتية لإمراة، وكتب السيناريو رجلا وزوجته، لكن تنقل السيرة معاناة الكاتبة من علاقة عاشتها، والسيناريست أيضا ألتزم بوجهة نظر البطلة، وخرج بفيلم عن إمراة بعد وقوعها في علاقة سامة باختيارها، وأنقذت نفسها في النهاية

وواحد من الاختلافات الجوهرية بين العملين أن الأدب الإيروتيكي يختلف حسب جنس كاتبه، ففي العادة تستغرق المؤلفة في وصف التفاصيل الحميمية، بخلاف المؤلف الرجل الذي يعني بالفعل الجنسي أكثر، لكن المؤلفات يقعن في فخ تشيؤ المرأة، وتقديمها بنفس الصورة التي يقدمها عليها الرجل

وهذا ما حدث مع جراي، فالفيلم هو رحلة خلاصه من ساديته، أما فيلم تسعة أسابيع قد أقصى بالبطل، وأحاطه بهالة من
الغموض بالنسبة للبطلة والمشاهد على حد سواء

أسلوب تقديم وتصوير المرأة في كل عمل من الأمور التي توضح الاختلافات الجوهرية بينهما، إليزابيث بطلة تسعة أسابيع قد تشبه أي امرأة باحتياجاتها لأخر، وانغماسها في العلاقة دون أن تعي ما هي مقبلة عليه، لكنها تتدارك الخطأ وتستعيد حريتها في النهاية، أما أناستازيا في سلسلة جراي قدمتها المؤلفة بالمظهر البريء لفتاة جامعية لم تخض أي علاقة من قبل، وخضعت بكامل إرادتها لرغبة البطل وقبلت بدور الخاضعة، بل وتحولت بالنهاية لتصبح هي الأخرى مازوخية

توجد عدة نقاط أفضل التوقف عندها طالما يتناول العملين نفس الموضوع وهو تصوير السادية وكذلك المازوخية يظهر الاختلاف من مشهد المقابلة الأولى بين بطلي العمل، في سلسلة جراي، في أول مرة تقابل فيها أناستازيا جراي،. تتعثر خطواتها وتقع عند مدخل مكتبه، فكانت راكعة على الأرض، وهو وضع الخضوع الذي ينشده البطل في العلاقة،.

بينما فيلم تسع أسابيع، انجذبت فيه البطلة لغموض وابتسامة البطل، وتلى ذلك مشهد وهو يراقبها أثناء تسوقها، كان أشبه بالحيوان الذي يراقب طريدته.

نقطة بداية العلاقة اختلفت ايضا، جراي واضح من البداية بساديته، وشروطه بوضع عقد عن تفاصيل العلاقة بينه وبين البطلة، أما فيلم إدريان لين، كانت من خلال تفصيلة بسيطة، ومشهد أبسط بجملة واحدة كانت تنذر بخطورة العلاقة.
أثناء تتبع البطلة وهي تتسوق، كانت على وشك ان تشتري وشاحا لكن لغلاء ثمنه لم تفعل، أستغل البطل هذه النقطة، وبعد ما قدم لها نفسه في نفس المشهد، قام بتغطيتها بالوشاح لحمايتها من البرد.
جاء هنا تصميم وضع الممثلين في المشهد، البطل من وراء البطلة وهو يدثرها بالوشاح ويغمرها في أحضانه، ليهمس بعدها في أذنيها بجملة لا تقولين انني لم أحذرك؟، جملة كانت بمثابة تحذير، وعلامة على بداية العلاقة، وانغماس البطلة
طواعية فيها

اختلفت سادية البطلين كذلك، جراي كان لديه غرفته الحمراء، المليئة بالألعاب الجنسية، كان يستمتع بضرب وصفع البطلة وإثارتها، مع تدرج مستوى الفعل السادي بخنوع البطلة واستمتاعها المازوخي بالعلاقة، لكن سادية بطل فيلم تسعة أسابيع تدرجت من مواقف قد لا تشير إلى علته، مثل مشهد أرجوحة الملاهي عندما ترك البطلة بمفردها معلقة بالأعلى، وأخذ صاحب اللعبة وغادر المكان وهو مبتسم لسماع صراخها
قياسا على هذا المشهد تدرج الفعل السادي في العلاقة حتى وصل لأقصاه بالضرب، ومشاهدة البطلة في علاقة مع آخر أمامه…

إلى جانب وجهة النظر، وطريقة التقديم وتطور التفاصيل، هناك أيضا عناصر فنية تؤثر على مضمون المشاهد لدعم وجهة النظر السردية، مثل استخدام الموسيقى وأسلوبية التصوير
سلسلة أفلام جراي، يصاحب المشاهد الجنسية السادية أغان تحمل المعنى الإباحي الملائم للفعل، وتتغلف برداء الرومانسية، وبالتالي هيأت المتفرج للإثارة المنشودة من الفعل، مع موسيقى مألوفة لا تندد بالفعل ولكن تكسبه صبغة عاطفية مثيرة…

بينما فيلم تسع اسابيع، ومع المشهد الأول الذي يحمل طابعا جنسيا، استخدم المخرج موسيقى توحي بالتهديد والشك، وهم نفس حالات البطلة في المشهد.

أما أهم العناصر وهو التصوير، يحمل التصوير في سلسلة جراي لتحديقه الذكورية لجسد البطلة، حتى وإن كان الفيلم الأول من السلسلة أخرجته امرأة إلا أنها صورت جسد أناستازيا بعين رجل، كانت الكاميرا تتفحص جسدها العاري، وردود أفعالها، لكنها لم تستثن جسد البطل، فأصبح بدوره خاضع للتحديقة الأنثوية، مثل مشهد مراقبة أناستازيا له أثناء
تدريباته الصباحية وتفحص جسده

فيلم تسعة أسابيع أهتم المخرج بالصورة على حساب المضمون، لكن في نفس الإطار المنشود، بمعنى أن جسد البطلة كان مشيؤء أيضا، اجتثت أجزاء منه لتصويرها أثناء المشاهد الجنسية، في المقابل حافظ المخرج على جسد بطله، ولم يستعرضه، وهذا حفاظا على غموضه في العلاقة وتحكمه فيها، وان الحكاية هي انغماس البطلة في هذه الممارسات تدريجيا.
استخدم لين الديكور المتجرد في شقة البطل لنزع إحساس الأمان والدفء في منزله، فصبغت الحوائط بالألوان الرمادية، وشراشف السرير بالأسود، حتى ملابس البطل كانت موحدة بالأسود، وغرقت الشقة في الظلال، انعكاسا لطبيعة ساكنها،.

حتى إضاءة البطلة كانت ساحرة وناعمة وهي محاطة بهالة من النور، ولكن تكسو الظلال وجهها كما لو كان خسوفا
بظل البطل أثناء العلاقة.

حافظ المخرج حتى آخر مشهد ارتداء ميكي رورك الملابس السوداء التي عززت من غموض الشخصية التي يلعبها، ،والممثلة باللون الأبيض في مشاهد كثيرة ، في سلسلة جراي حافظ صانعي العمل على وجود الظلال الرمادية المختلفة في ملابس البطل ومسكنه انعكاسًا لطبيعة شخصيته التي تتغير تدريجيًا نحو الأغمق قبل ان يتحرر في النهاية

ربما أفضل ما في سلسلة جراي هو اختيار العناوين ودلالتها، فكلمة
shade
تعني ظلال او اللون إذا ما امتزج باللون الأسود ، وهنا في حالة جراي ومع تطور السرد كنا نتعمق في شخصيته حتى تحررتدريجيًا وواجه أزمته
بينما عنوان تسع أسابيع ونصف كان يشير للمدة التي استغرقتها البطلة في علاقتها مع البطل والمنحنى السلبي لتطور الاحداث

النهاية جديرة أن أتوقف عندها، نهاية السرد الساذج لحكاية جراي أن الحب كان كافياً لاحترامه لحبيبته، وهدم الحدود بينهما، وان بقيت الممارسات السادية التي غلفتها السلسلة برداء شرعية الممارسات الزوجية، وأصبحت الحكاية عن الفتاة التي تمكنت من خلال حبها وتفهمها شفاء حبيبها وجعله يواجه الصدمات النفسية التي أدت لحالته تلك، بل وتمكن بالنهاية من عيش حياة سعيدة وأصبح أبا بعدما تغلب على نرجسيته السادية، ونجح في أن يجعل البطلة مازوخية تستمتع بالعلاقة تحت مسمى الحب والزواج، وانتهت الأحداث بجلوسها راكعة في الغرفة الحمراء مثلما دخلت حياته وهي راكعة أيضاً.

أما تسعة أسابيع ونصف، أدركت البطلة أنها قد فقدت تدريجيا احترامها لنفسها بسبب حبها، فكان لزاما عليها أن تتوقف وتوقف العلاقة، ولم يجد معها أن البطل أعترف بحبه لها في النهاية، وصور المخرج خروجها من حياته ومنزله بخروجها من الأطر والقضبان الحديدية وظلالها المنعكسة عليها وكانت محبوسة بداخلها، خرجت للحياة بعد أن استعادت السيطرة على حياتها واحترامها لجسدها وذاتها.

النقطة التي حثتني لكتابة هذا الموضوع هي وجود الممثلة كيم باسنجر بطلة فيلم تسعة أسابيع ونصف في الجزء الثاني والثالث من سلسلة جراي، ولعبت دور المرأة التي كانت تتحرش بالبطل في طفولته، والسبب في ممارساته السادية، فشل سيناريو الأفلام في الربط أو إنشاء إي إحالة لدورها في فيلم أدريان لين، فربما كانت الشخصية التي قامت بها في سلسلة جراي هي الوجه الآخر لشخصيتها في فيلم تسعة أسابيع إذا ما استمرت في العلاقة السامة وأصبحت سادية هي الأخرى


فيلم أدريان لين كان واضحا في تصوير العلاقة السامة وأصبحت صبغة الإيروتيكية ما هي إلا الوجه المظلم لانغماس البطلة فيها، أما سلسلة جراي أضافت لمسة الرومانسية للفعل السادي وغلفته بالحب والقدرة على تغيير المحبوب.

السؤال والتساؤل في فيلم بلايد رانر

بقلم: رشا كمال

كتب أحد ضباط قوات الأمن الخاصة النازية ال (أس. أس) في دفتر يومياته يشكو من أصوات الأطفال الصغار التي لطالما أقلقت مضجعه في معسكرات الاعتقال النازية. ليقرأ تلك الكلمات فيما بعد الكاتب الأمريكي فيليب كأي ديك، ويسأل مستنكر عن حقيقة إنسانية هؤلاء الجنود. ليمثل هذا السؤال لاحقا نواة التساؤل الذي طرحه حول ماهية الإنسان في قصته “هل يحلم أشباه الإنسان بخراف الكترونية؟”، التي استوحي منها في عام 1982 فيلم “عداء السيف” للمخرج البريطاني ريدلي سكوت، عن إسناد مهمة التخلص من أربع (ريبلكانتس)- وهم كيانات شبيهة بالإنسان مصممة جينيا للاستعباد في
مستعمرات خارج كوكب الأرض- لعداء السيف ريك ديكارد (هاريسون فورد)

استطاع الفيلم طوال الأربعين عاما ونيف الماضية أن يحشد لنفسه طائفة من المعجبين الذين يعاودون قراءته وتحليله لما يحويه من أسئلة ومعضلات فلسفية وأخلاقية. ويعد سؤال “إذا ما كان بطل الفيلم إنسانا أم واحدا من الريبلكانتس؟!” واحد من بين هذه الأسئلة التي ينسجها الفيلم ويبني عليها تساؤلاته المتعددة. حتى العاملون في الفيلم أدلوا بدلوهم أيضا في هذا الأمر. فمثلا لم يقتنع الممثل هاريسون فورد أن شخصية ديكارد يمكن أن يكون (ريبلكانت)، زاعما أن المشاهدين لن يتماهوا بسهولة مع كيان غير إنساني! في حين أن المخرج أوضح بابتسامة ماكرة في الوثائقي الذي أعد عن رحلة إنتاج الفيلم أن البطل من أشباه الإنسان!

ومع تضارب التأويلات يتضح مع كل مشاهدة أن السؤال في حد ذاته أهم من الإجابة عليه، لأنه ينتهي في حال إيجادها، في حين أن التساؤل يدفع المتلقي لرحلة بحث ومشاهدة مستمرة قد يصل أو لا يصل بنهايتها إلى الجواب

والسؤال المطروح في الفيلم استحال بدوره إلى تساؤل فلسفي أعمق حول ماهية الإنسان، وذلك من خلال الكيفية التي طرح بها المخرج السؤال وعمق التساؤل بواسطة قراراته الإبداعية المختلفة التي تجلت في النسخة الأخيرة المطروحة عام 2007، والتي تحكم فيها المخرج بشكل مطلق

يحتوي سيناريو الفيلم على ثلاثة خطوط درامية متشابكة، أولهم إسناد مهمة التخلص من الريبلكانتس الي ديكارد

جرت العادة أن نتعرف على البطل وعالمه في بداية الاحداث، لكن هنا لم يوفر النص أي معلومات عن خلفية البطل، فاكتنفت شخصيته بهالة من الغموض

ولفهم هذا الغموض بشكل أفضل يمكن أن نلجأ للنموذج الذي يقتدي به الكاتب پول شريدر في كتابة أعماله، وهو أن البطل يكون وحيدًا في غرفة ( أي المشاكل والعقبات التي يواجهها، أو الظروف المحيطة به وتؤثر عليه ) يرتدي قناعا يتمثل في المهنة التي يزاولها، ومهمة الحكاية هي نزع القناع عنه للكشف عن هويته الحقيقية

وبتطبيق هذا النموذج على بطل فيلم بليد رانر، يكون ديكارد هو الرجل المقنّع، والقناع يتمثل في وظيفة عداء السيف التي تطلب منه القضاء على الريبلكانتس المتمردين تحت مسمى ( إحالتهم للتقاعد ) بدلا من قتلهم. أما الغرفة فهي العالم الديستوبي لمدينة لوس أنجلوس في المستقبل، الذي استطاع فيه الإنسان ابتكار آلات على درجة عالية من الذكاء، وتشبهه لدرجة يتعذر معها التعرف عليهم بسهولة، وبمنح الإنسان صفة الخالق لنفسه يضع عمر افتراضي لهذه الآلات، ويزرع في أدمغتهم ذكريات مزيفة عن الطريق لضمان عدم تطويرهم لأي أحاسيس أو سمات بشرية. وتحت القناع تكمن الهوية الحقيقية للبطل ( إذا ما كان إنسان يكتشف إنسانيته المفقودة في عالم مستقبلي مخيف، أم ريبلكانت نمى الوعي لديه وقام بتطوير سمات إنسانية)

أما الخط الثاني، هو الحبكة الفرعية عن العلاقة التي تجمع ما بين شخصية (ريتشيل) والبطل، تمثل هذه الحبكة الحافز الرئيسي وراء خلق السؤال، لأن شخصية ريتشيل لم تكن مدركة لحقيقتها، ومن خلال تشككها وإدراكها للحقيقة، وبالتوازي مع علاقتها بالبطل يتعمق في نفسه الشك حول ماهيته، وكذلك التساؤل لدى المشاهد. وقد يبدو أن شخصية ديكارد مسطحة لم تحمل أي أبعاد للتغيير، لكنه بدأ الأحداث وهو على قناعة بأن الريبلكانتس ما هم الا مجرد آلات وجدت لخدمة الإنسان، وانتهى به الحال وهي يكن مشاعر لإحداهن

الخط الدرامي الثالث هو محاولة وصول الريبلكانتس المتمردين إلي صانعهم، يرسخ هذا الخط تدريجيًا السمة الإنسانية الرئيسية وهي التعاطف التي يتناولها الفيلم في كيفية التفرقة بين البشر والريبلكانتس. يقربنا هذا الخط أكثر من شخصيات الريبلكانتس ومنهم شخصية (روي باتي) قائد المجموعة المتمردة، شخصيته تعتبر انعكاس لشخصية البطل، يمتلك وعيا وتعاطفا أكثر منه

 تتضافر الخطوط الدرامية الثلاثة معاً، لتكشف عن الوعي والمشاعر التي طورتها الريبلكانتس، مقابل التعاطف والإدراك اللذان يفتقدهما البطل، وتظهر قرارات مبنية على انفعالات انسانية اتخذتها شخصيات الريبلكانتس أكثر من شخصية البطل. يتوج هذا التداخل في مشهد المواجهة بين البطل وروي باتي بنهاية الفيلم، الذي توجد به واحدة من أجمل لحظات الاستنارة الخاصة بالبطل وإدراكه أخيرا بوعي الآخر وتعاطفه معه. 

ساهم الحوار في تدفق سيل الأسئلة المطروحة، مع عدم تقديم إجابات واضحة من الشخصيات أو الأحداث. ويتدرج طرح السؤال وتعميق التساؤل بتدرج الحدث

مثل السؤال الذي طرحته ريتشيل على ديكارد في أول مشهد يجمع بينهما حول إذا ما قد سبق له إحالة أي إنسان إلى التقاعد ( قتله ) عن طريق الخطأ. والسؤال هنا وإجابة البطل عنه بالنفي، كانت أشبه باختبار (الفويت كامبف)- الخاص بالكشف عن هوية الريبلكانتس من خلال مدى استجابتهم لسمة التعاطف، وتستخدمه السلطات في الكشف عنهم-  ليرى المشاهد مدى إظهار ديكارد تعاطفه مع الآخر، حتى وإن لم تكن هويته الحقيقية واضحة. وكذلك سؤالها له في وقت لاحق في الفيلم عن خضوعه لاختبار الكشف عن الريبلكانتس أم لا 

تساهم أجواء الديستوبيا (المدينة المستقبلية الفاسدة) وجماليات تصوير أسلوب النيو- نوار المستقى من جماليات التعبيرية الألمانية، في خلق حالة من الغموض حول حقيقة طرفي الصراع في الفيلم. وكذلك التشابه الكبير بين الريبلكانتس وصانعيها، فلا توجد أي اختلافات بارزة في طريقة تقديم هذه الشخصيات من حيث الشكل والملبس

 


أما التمثيل فقد خلق السؤال من التباين في ردات الفعل الشعورية، وتنوع أداء الممثلين الذين قاموا بأدوار الريبلكانتس، راتجر هاور في دور (روي باتي)، شون يونج (في دور ريتشيل)، كانت استجاباتهم الانفعالية في المشاهد أعلى بكثير من أداء هاريسون فورد الذي حافظ على تقييد أدائه لطبيعة شخصيته الباردة

فمثلا في مشهد محاولة تقصي ريتشيل عن حقيقتها من ديكارد، عكس أداء فورد طبيعة ديكارد القاسية لقناعته بأن هذه الكيانات ما هم الا مجرد آلات، فجاء رده لها مستهزًئا قاسيًا عن حقيقتها المزيفة، لنجد في المقابل مشاعر طاغية على اداء شون يونج وهي تحاول كبح دموعها عند إدراكها للحقيقة. التباين في الأداء بين شخصيتين من المفترض أن أحدهما إنسان والآخر آلة، نتج عنه في ذروة المشهد بداية إظهار صفة التعاطف والانجذاب الواضح بين شخصية البطل والريبلكانت

وكذلك مشهد مونولوج مناجاة الموت الشهير الذي ألقاه الريبلكانت روي باتي، بعد انقاذه لديكارد من موت محتم. السطور الارتجالية التي ألقاها الممثل راتجر هاور، مع وقفاته القصيرة بين كل جملة والتي تليها، وهو يسترجع ذكرياته الخاصة الحقيقية التي يعتز بها، عكست الوعي الإنساني الذي اكتسبته هذه الآلات، مقابل ايضًا التعاطف من جانب البطل أيا كانت هويته الحقيقة.  

 
استعان المخرج ايضًا بنمط بصري متكرر(موتيف) في شكل انعكاسات حمراء في حدقة العين للتفرقة والخلط أحيانًا بين الريبلكانتس والبشر، ميز به شخصيات الريبلكانتس، حتى جاء قرب منتصف الفيلم لنراه بصورة ضبابية
(Blur – out of focus) في عيون البطل

ساهم المونتاج في خلق الارتباك من خلال المعنى الجديد الذي تشكل نتيجة التعديلات الجوهرية التي أجريت على النسخة النهائية للفيلم. فنتج عن قرار حذف صوت الراوي للبطل حجب المعلومات المباشرة عن المتلقي، وأثيرت تكهنات نتيجة قرار تغيير النهاية السعيدة التي اقترحها وأقحمها المنتجون على النسخة الـ
theatrical
واستبدلها المخرج بنهاية مفتوحة عوضًا عنها

لكن ترتيب اللقطات، واللقطات الدخيلة
(Cut-in Shots)
لأشكال الأوريغامي الورقية التي كان يصنعها جاف المسؤول عن متابعة تنفيذ ديكارد لمهامه، كانت المساهم الأكبر في خلق السؤال. فقد غرست هذه اللقطات داخل مشاهد ليس لها علاقة بها إلا لتواجد شخصية جاف فيها. حتى يصل المخرج  لأهم لقطتين استدعى من خلالهم العلاقة بينهم من ذاكرة المُشاهد، فنشأ رابط خفي بينهم، كانت الأولى في مشهد حلم ديكارد بحيوان حصان وحيد القرن ( اليونيكورن) – وهذه اللقطة من بين التعديلات التي أجريت على النسخة النهائية ولم تك موجودة في النسخة التي عرض بها الفيلم – واللقطة الأخرى عند عثور ديكارد على الأوريجامي على شكل
اليونيكورن أثناء فراره من المنزل مع ريتشيل


الربط بين هذه اللقطات، وبين النهاية المفتوحة، مع المعرفة المسبقة لدى المشاهد بكيفية تحكم البشر في الريبلكانتس من خلال زرع ذكريات لهم، وإمكانية اطلاع أفراد الشرطة ومنهم شخصية جاف على هذه الذكريات، أدت كلها إلى صعوبة الجزم بحقيقة البطل في النهاية

من بين الاتهامات التي يوجهها النقاد للمخرج ريدلي سكوت هو اهتمامه بخلق تفاصيل عالم أفلامه على حساب الاهتمام وتطوير الشخصيات فيه، وفيلم بليد رانر واحد من هذه الأفلام، في ظل غياب تعقيدات الصراع فيه، وعدم وجود شيء على المحك يهدد البطل أكثر من مجرد رتبته الاجتماعية في مجتمع ديستوبي تسوده التراتبية، لم يلتفت الكثير للأسئلة التي يطرحها عليهم الفيلم. والتي استطاع المخرج من خلالها أن يفتح الباب أمام تساؤلات عن المعنى الحقيقي لماهية الإنسان، ليحث على العودة مرة تلو الأخرى لملاحظة وفهم النقاط المتعددة المطروحة فيه، والماهية الإنسانية ما هي إلا مجرد نقطة واحدة منها

رحلة البطلة، فيلم “شابة واعدة” نموذجًا

منذ أن تعالت أصوات النسوية و الصوابية السياسية في السينما الأمريكية مطالبةً بضرورة أن تحتل المرأة مساحة أكبر في الافلام، ظهرت على الساحة السينمائية أفلامٌ كثيرة تتخذ من المرأة محورًا لها، وتطرح وتناقش قضاياها وهمومها في المجتمع، مستغلةً في ذلك مختلف الأنواع الفيلمية، وعلى سبيل المثال فيلم «المرأة الأعجوبة» Wonder Woman الصادر عام 2017 الذي يعد أول فيلم بطلة خارقة تخرجه امرأة (باتي جينكينز) وبغض النظر عن مستواه فإن المتلقي سيجده فيلمًا أدّت دور بطولته امرأة، وشاركت في كتابته وإخراجه امرأة، لكنه يظل متخذًا من رحلة «البطل» نموذجًا لرحلته، مثله في ذلك مثل أفلامٍ عديدة ذات توجهات نسوية وبطولات نسائية اتخذت من نموذج رحلة البطل بنية سردية لها، في حين أن ثمة بنى سردية أخرى مختلفة تخص «البطلة»، وتعني بالتطورات النفسية والروحية والعاطفية والجسدية الخاصة بها.

كانت الكاتبة والمعالجة النفسية اليونجية -نسبة إلى المحلل النفسي كارل يونج- مورين ميردوك أول من أتت بمثل هذا النموذج في كتابها المشهور “رحلة البطلة: بحث المرأة عن الكمال”. وفيه تولي رحلة البطلة اهتمامًا كبيرًا بالجانب النفسي لدى الأنثى، والتحولات الطارئة عليها طوال رحلتها. ويأتي الكتاب ردًا منها على كلام منسوب لأستاذها الكاتب وأستاذ الأدب الأمريكي جوزيف كامبل صاحب نموذج رحلة البطل في كتابه “البطل ذو الألف وجه” عن أن «النساء لسن بحاجة لرحلة خاصة بهن، فالمرأة موجودة دائمًا في عالم الأساطير، وكل ما عليها فعله هو أن تستوعب أنها المنزلة التي يحاول الجميع الوصول اليها!»

ظهرت بعد ذلك عدة كتابات نسائية أخرى تناولت رحلة البطلة في الأساطير والحكايات الفلكلورية، ومنها ما كتبته جيل كاريجر في كتابها “رحلة البطلة”، حين وضعت فيه نموذجها الخاص مستشهدا بأمثلة من الروايات والأفلام من الثقافة الشعبية الحديثة إلى جانب عدد من الأساطير القديمة، ونموذجها لا يخضع للنظام الچندري السائد في مجتمعات كثيرة، فقد يكون البطل رجلًا ولكن يتخذ من رحلة البطلة نموذجا لرحلته، مثلما دلّلت على ذلك بسلسلة هاري بوتر

ونموذج رحلة البطلة حسب كاليجر ينقسم أيضا إلى ثلاثة أقسام رئيسية وهي:

  1. مرحلة الهبوط
    – تندفع فيها البطلة نحو الحدث نتيجة عائلة محطمة، أو بسبب فقدان صديق، أو الوالدين، أو خسارة مكانتها الاجتماعية.
    – تتخلى البطلة عن مكانتها، أو مصدر قوتها.

– تنسحب لا إراديا من الحياة.

– تتلقى العون من العائلة ولكن دون جدوى.

  1. مرحلة البحث
    -يؤدي فقدان البطلة للعائلة إلى وقوعها في فخ المخاطرة والانعزال.

– تلجأ إلى استخدام حيل التنكر، أو التخريب، أو تغيير هويتها.

– ثم تبدأ في تكوين شبكة عائلية جديدة وعلاقات بديلة مكتسبة.

– تزور العالم السفلى أي مواجهة أزمتها ومخاوفها بمساندة الأصدقاء أو العائلة البديلة المكتسبة.

  1. مرحلة الصعود
    يؤدي نجاحها في رحلة البحث إلى اكتسابها عائلة جديدة، أو تولد رمزيًا من جديد، ويرتبط هذا بمدى قبولها بالحلول الوسط التي تعم بالفائدة على الجميع.

   والرحلة التي تقوم بها كاسي (كاري موليجان) بطلة فيلم“ شابة واعدة
– Promising young woman
الصادر عام 2020، تتماشى مع النموذج السابق، في سيناريو حاز على جائزة الأوسكار لأفضل نص سينمائي أصلي عام 2020 قامت بكتابته وإنتاجه وإخراجه إيمرلد فينيل في أول عمل روائي طويل لها.


تمر كاسي خلال رحلتها بالمراحل الثلاثة حسب نموذج كاليجر، أولها مرحلة الهبوط أو المشاكل التي تعاني منها البطلة. وتتعمد المؤلفة إخفاءها في مرحلة تأسيس الشخصية لتعزيز رسم صورة مضللة عنها، فنحن نقابل البطلة في أول الفيلم وهي تخفي هويتها الحقيقية لاصطياد الرجال من الملاهي الليلية بعد اقناعهم بأنها ثملة، لتفاجئنا المخرجة بعكس ذلك، استخدمت الكاتبة في بناء شخصية كاسي عقدة مادونا والعاهرة، فهي تنطوي شخصيتها على تناقضات عديدة، فهي تعمل في أحد المقاهي بعد تركها دراسة الطب فجأة، تخرج ليلًا لاصطياد الرجال وتسجل أسماءهم وأعدادهم في مذكراتها دون توضيح السبب أو حقيقة ما يحدث بينها وبينهم.


ولم تكتف المخرجة بذلك على مستوى السيناريو ولكن امتد أسلوبها في استخدام التضاد وتمويه الحدث ليشمل بقية العناصر الإبداعية الأخرى في الفيلم، مثل تصميم المشهد المصاحب للعناوين الافتتاحية، يسبق هذا المشهد مشهد تحرش أحد الرجال بكاسي واصطحابها لمنزله بعد اعتقاده أنها في حالة سكر شديدة، تقطع المخرجة المشهد بعد أن يكتشف الشاب أنها واعية وغير ثملة، يبدأ المشهد المصاحب للعناوين في اليوم التالي، وكاسي تمشي حافية القدمين، مرتديةً ملابس غير مرتبة، وملطخة بسائلٍ أحمر نعتقد في أول الأمر أنه دماء، ولكن باستعراض الكاميرا صعودًا على جسدها نكتشف أنها تتناول طعامًا يتساقط منه سائلٌ أحمر يلطخ ثيابها وجسدها، حتى تبتعد الكاميرا عنها، تصاحبها في الخلفية الموسيقية للمشهد أغنية «إنها تمطر رجالاً». قس على أسلوبها في هذا المشهد بقية مشاهد الفيلم، فهي تتعمد البدء بصورة موحية لشيء مضلل للكشف عن حقيقته في النهاية. حتى اختيار الممثلين، سواء كاري موليجان، أو بو برنهام، أو كريس لويل، فكلهم يملكون وجوهًا تعتليها لمحات البراءة، على عكس وجوهٍ حقيقية أخرى يخفونها.


ونظرًا لأن رحلة البطلة تتفق مع رحلة البطل في ضرورة عدم توافر كافة المراحل، ولا أن تتواجد بنفس الترتيب وذلك لخدمة السرد. تعمدت المؤلفة تأجيل الكشف عن السبب وراء انسحاب البطلة اللاإرادي من الحياة، أي الأسباب وراء ترك كاسي للدراسة وهو الحادث المأساوي الذي فقدت بسببه صديقتها المقربة، والعيش برفقة أهلها، وإصرارها على العمل في مكان لا يلائم إمكانياتها.
واستعانت المؤلفة بمحاولات الدعم من جانب الأسرة، وصاحبة المقهى جيل ( قامت بالدور الممثلة لاڤيرن كوكس) لتقديم يد العون للبطلة دون جدوى.


تنتقل كاسي إلى المرحلة الثانية من الرحلة وهي مرحلة البحث عندما يلتقيها ريان (بو برنهام) زميلها السابق في كلية الطب. يحدث بينهما إعجاب متبادل ليبدأ من هنا خط درامي خاص بهذه العلاقة يمثل في رحلتها خطوة محاولة إنشاء وتكوين علاقات بديلة تعويضا لما فقدته في حياتها. ودور ريان محفزا للأحداث فمثلا عندما يذكر اسم آل مونرو (كريس لويل) أمام كاسي تعلو ملامح الاضطراب على وجهها، وتقترب منها الكاميرا لتكن هذه هي النقطة المحفزة التي تبدأ عندها مرحلة البحث في رحلتها. واستعانت المؤلفة بحالات العزلة والمخاطرة من نموذج رحلة البطل كنتيجة لحدث فقدان صديقتها المقربة مما دفعها للتحرك نحو مواجهة العبء المحمل على كاهلها من الماضي.

 أما حيلة التخريب استخدمتها البطلة في مخططها الانتقامي لمعاقبة المسؤولين عن مأساة صديقتها، لكنه لم يكن انتقاما عنيفًَا، وهو ما كان مقصودًا لإن من سمات رحلة البطلة رفضها الفعل الانتقامي، فبدأت بالبحث عن معلومات عن هؤلاء الأشخاص، والبداية كانت مع احدى صديقات الدراسة الجامعية وكانت شاهدة على الواقعة ساندي (أليسون بري)، لجأت كاسي لاستخدام نفس الأسلوب الذي ينتهجه معها المتحرشين بها ليلاً، استدرجتها، وجعلتها تثمل، ثم ذكرتها بموقفها السلبي، وعندما لم تبد أي ندم تركتها ثملة، لتترك رقم الغرفة لأحد الرجال لتطلب منه إتمام المهمة، تقطع المخرجة تدفق الحدث مؤجلة الإجابة عن حقيقة ما حدث لمشهد مفصلي لاحق.

تنتقل بعد ذلك إلى الهدف التالي على قائمتها – حيث عنونت المخرجة كل قسم من رحلة البحث والانتقام بنظام العصا tally marks  مثلما تدون كاسي في مدونتها بعيد انتقامها من المتحرشين بها ليلاً- عمدة الجامعة والكر (كوني بريتون)، نصبت كاسي أولا فخا لابنتها المراهقة، ثم ذهبت لمواجهتها في الجامعة، وعند تذكيرها بموقفها تجاه مأساة صديقتها نينا، جاء رد العميدة استفزازيا متحيزة لجانب الجاني، توهمها كاسي بالخطر المحدق بابنتها، ليتحول ميزان القوة في هذا المشهد مرة أخرى إلى كاسي بعد توسلات العميدة لها، وهنا استخدمت المخرجة مشهد بليغ لتصوير مجازي عن المعاناة التي قد تواجه الفتيات عند التوجه بشكواهم للمسئولين، انتقلت المخرجة بالمشهد خارج مكتب العميدة، حتى نسمع صوت توسلاتها مجرد غمغمات غير مفهومة تصل إلى مسامع سكرتيرتها التي تجاهلت بدورها الصوت وارتسمت على وجهها ابتسامة محرجة امام احدى الطالبات التي تجلس تحت اعلان للجامعة مكتوب عليه «ان مستقبلك يبدأ هنا».

ولأن الانتقام كما سبق وذكرت ليس من خصال البطلة مقارنة بالبطل في رحلته فهي تخضع لضميرها وينعكس رد فعلها في سلوكها التدميري المنعكس في حياتها الليلية التي تستمر فيها، حتى يكشفها رايان مصادفة ليتأزم وضعها أكثر في الرحلة.

ومن أفضل المشاهد التي عكست مأزقها الروحي كان بعد مشهد المواجهة مع عميدة الكلية، نراها ترتعش مضطربة بداخل سيارتها، وهي ترتدي نصف القلادة التي تحمل اسم صديقتها نينا، واختارت المخرجة الخلفية الموسيقية للمشهد  مقطوعة افتتاحية أوبرا تريستان وايزولت لفاجنر والمقطوعة التي تليها بعنوان محبة الموت.

كان اختيارا مغايراً عن بقية اختياراتها للاغاني المصاحبة لأحداث الفيلم والتي كانت جميعها أما تتهكم أو تعلق على ما تشعر وتعايشه الشخصية. لكن على أنغام تلك المقطوعة تجسدت حالات الندم والغضب والتوق التي اعترت كاسي في هذا المشهد.

تتدرج كاسي في رحلتها الانتقامية، بالصديقة (تعكس موقف المجتمع)، ثم عميدة الجامعة (موقف النظام)، ليأتي الدور على جوردن محامي الجناة (موقف القانون) الذي قام بدوره الممثل الكبير (ألفريد مولينا) في واحد من المشاهد الجميلة على مستوى الكتابة والتصميم البصري، كان هو الوحيد ممن كانوا على قائمتها الذي يتأكله الذنب جراء فعلته، واستحق أن ينال منها المغفرة. طغى اللون الرمادي على المنزل، في تكوينات بصرية متماثلة (سيميترية)، ونباتات ذابلة في أرجاء الغرفة، فكان كل شيء في المكان يعكس ثقل الذنب والخراب النفسي الذي يعتصر ساكنه.

يتخلل رحلتها خط آخر غير مرئي وهو بناءها شبكة دعم من أشخاص تستعين بهم في الإيقاع بمن جار على صديقتها، ولكن تؤخر المخرجة ظهورهم حتى نهاية كل مشهد لخلق حالة من التشويق عند المشاهد في ما قد تفكر فيه وتدبره البطلة.

وبعد اقتراب البطلة من استكمال رحلتها الانتقامية، تستكين وتهدأ بعد اعترافها بالذنب الذي يعتصرها أمام والدة صديقتها وتتلقى منها نصيحة بتخطي الأمر ومواصلة حياتها. وبأخذ تلك النصيحة تدخل البطلة في مرحلة القبول والتسوية والعدول عن معاقبة أخر واهم شخص على قائمتها، فتبدأ في لم شتات حياتها وتعدل عن مخططاتها الانتقامية، وتصلح علاقتها مع ريان ليسود الاستقرار حياتها لوهلة، ولكنه كان الهدوء الذي يسبق العاصفة، تتغير دفة الأحداث بتلقيها معلومة جديدة تعيدها مرة أخرى إلى مسار رحلتها الانتقامية مستكملة آخر فصولها وهو مرحلة الصعود.

وفيها تسعى البطلة للم الشمل مع من افترقت عنهم، من خلال التضحية بالذات والانتقام من المتسبب في مأساة صديقتها، ولو أنها أجبرت على هذه التضحية محققة نهاية أغضبت الكثير ممن شاهدوا الفيلم ولكنها كانت منطقية لرحلتها منذ البداية, في واحد من أكثر مشاهد الفيلم استفزازا، مشهد التخلص من جثة كاسي، قلبت فيه المخرجة حس الكوميديا السوداء به ضد الشخصيات لإدانة تصرفاتهم، من خلال الأداء الأخرق المستفز من كلا الممثلين الشابين، على أنغام أغنية “شيء رائع” من فيلم آنا والملك، كلمات الأغنية كانت لإقناع المحبوبة بتقبل حبيبها كما هو، يحدث هنا تضاد صارخ بين انغام وكلمات الاغنية وما يحدث في المشهد. لتتمكن كاسي أخيراً من تحقيق العدالة لها ولصديقتها حتى بعد الموت، ليحدث بذلك لم الشمل الأخير في رحلة البطلة.

استغلت المخرجة كل الخيارات الإبداعية المتاحة لها إلى جانب الاستعانة بنموذج رحلة البطلة لتقديم صورة مضللة عن بطلتها تتفق مع النظرة الذكورية الخاطئة عنها في الفيلم تارة، لتعود وتتهكم من تلك النظرة في مشهد آخر تارة اخرى، مثل استخدامها للنظرة الأنثوية في أول مشاهد الفيلم لأجساد الرجال وهم يتمايلون في ساحة الرقص.

و يزخر الفيلم بالألوان الهادئة، على عكس الصخب اللوني للحياة الليلية للبطلة، وتؤطر كاميرا المخرجة بطلتها دائما في إطار أيقوني مثل أيقونة العذراء بالألوان الأزرق الفاتح والأبيض، أو تستغل إطارات معينة في بعض المشاهد لتمنحها أجنحة مثل الملائكة، مانحة إياها هالة القداسة في رحلتها الانتقامية.

لهذا تخدم البنيات السردية المختلفة لرحلة البطلة في التعليق على المشاكل الاجتماعية مثل التحرش والاغتصاب كما في فيلم شابة واعدة، وتقديم سرد مختلف عن السائد لمخالفة توقعات المتفرج وحثه على المشاهدة والمشاركة الإيجابية للعمل السينمائي.

انطباعات قصيرة

الرب هو عيار ناري – God is a Bullet

كم كنت أتمنى أن أقول عودًا حميدًا للمخرج نيك كازافيتيس بعد غياب طال لفترة تسع سنوات
لكن يبدو ان المخرج تلاحقه لعنة العمل الناجح الوحيد، لتتحول كل جهوده بعدها الي محاولات باهتة لاستعادة هذا النجاح
أعاد المخرج ثيمة البطل الذي يخذله النظام الذي من المفترض أن يحميه ويتولى رعايته فيقرر تحقيق العدالة بيديه، نفس ثيمة فيلمه السابق جون كيو من بطولة دينزيل واشنطن
لكن هنا نيكولاي كوستر والدو يلعب دور شرطي يضطر الي ملاحقة طائفة شيطانية بعدما قتلوا زوجته السابقة واختطفوا ابنته الوحيدة، لينطلق في رحلة استعادتها بمساعدة احدى المنشقات عن تلك الجماعة
كازافيتيس قام بكتابة سيناريو الفيلم، الذي لم يشفع لسوئه انه مأخوذ عن قصة حقيقية وتناولتها رواية للكاتب الامريكي بوسطن تران الذي نقل تجربته الشخصية الي الرواية التي تحمل نفس العنوان
السيناريو لم يأخذ الوقت الكاف للتمهيد للعالم الاعتيادي لبطله، والتعرف عليه بشكل يمهد لمواجهته للصراع المرتقب، لأن المخرج ركز على الصراع الخارجي المتمثل في دخول البطل لعالم الطائفة الشيطانية، ومحاولة استعادة ابنته، وغفل عن الصراع الداخلي بين القيم الدينية للبطل التي من المفترض إنه بدخوله لعالم الطائقة الشيطانية بتتغير وجهة نظره لقيمه وحياته بشكل عام، ومع غياب الملامح الكاملة لصراع البطل اصبح اداء نيكولاي ضعيف وباهت الملامح
لكن توقفت عند اداء الممثلة مايكا مونرو في دور المنشقة عن الطائفة، تألقت الممثلة الشابة في اتقان دور الفتاة المضطربة وساعدها مظهرها، قصة شعرها والوشوم التي تغطي جسدها، عيونها ونظراتها كانت بارزة ومخيفة مع بشرتها الباهتة
كان ادائها أفضل شيء في الفيلم، وتمنيت لو كانت الحكاية عنها وعن العنف الذي تعرضت له
نيك كازافيتيس له خمس مشاريع يتم التحضير لها على حسب موقع قاعدة بيانات الأفلام، التحدى امامه ليس انه ابن المخرج الكبير جون كازافيتس ولكن في تخطيه لنجاحه الوحيد لفيلمه
the notebook

طي النسيان – Limbo

تتشابه حكاية الفيلم مع حكاية فيلم
Wind River
يعاد التحقيق في قضية اختطاف فتاة من السكان الأصليين في مدينة نائية في استراليا، ونستكشف مع البطل طبيعة المكان وقاطنيه
لكن أجواء الفيلم تتشابه مع الأجواء الكابوسية لفيلم استرالي اخر من الموجة الاسترالية الجديدة اوهو
Wake in Fright
كلا الفيلمان يتشاركا في وحشة الروح وغربة الجسد في المكان
والمكان هنا حاضر بقوة وبقسوة، حاضر في كونه السبب لعنف الانسان تجاه اخيه الانسان المتمثل في الاستعمار، والضغينة الكامنة تحت السطح مهما بلغ به التقدم، ووحشية الاستعمار والاستعباد اهنا نعكست في البيئة القاحلة
مكان يلقي بالعبرة للمحقق الغريب، عندما تمتد الاراضي الشاسعة امام نظره، وهي نفسها الارض التي تسببت في جرائم لا تغتفر مازلت تعود للحياة من وقت لأخر
طبيعة الفيلم والوحشة والعزلة التي يصورها اقتضت قلة الحوار، فالنفس تضمر بأكثر مما يبوح به اللسان
والممثل سايمون بيكر الذي قام بدور المحقق، رغم اننا لا نعرف الكثير عن شخصيته ولكن الأزمة التي يمر بها واضحة في صمته، وجمله المقتضبة، والمسافة بينه وبين قاطني المكان، والمخدر الذي يتعاطاه، والوشوم التي تغطي جسده
حتى الفندق الذي يعيش فيه يعكس مدى قفر روحه
ليس هناك بالفيلم تصميم للأماكن، فالمكان فرض بطبيعته سطوته على التصميم، وما زاد من وحشته اختيار تصوير الأحداث بالأبيض والأسود، ولأول مرة ارى ان الابيض والاسود يرمز للون البشرة السبب وراء التعصب
فيلم ليمبو او طي النسيان، حكايته مألوفة للمشاهد سبق وان شاهدها عشرات المرات، لكن هنا نجح المخرج في استغلال ألفة الحكاية لينظر الي تاريخ بلاده ويعكسه برؤيته

بلوندي- Blondi

كيف تشعر بالارتباط مع الشخصية؟
أن تشعر أن هناك شيء ما تواجهه الشخصية على المحك
أن تتواجد بداخل صراع – أيا كان نوعه – يقلب موازيين الأمور ويدفعها نحو معالجة الأمور والتغيير وإنقاذ نفسها
هنا الممثلة والمخرجة الأرجنتينية دولوريس فونزي تحدت هذا العرف القصصي وقررت تقدم شخصية “بلوندي ” أم في أواخر الثلاثينات لديها ابن شاب حملت به وهي في سن الخامسة عشر.
شخصية بلوندي لا تدرك علتها، هي راضية بأسلوب حياتها الذي يشبه حياة فتاة مراهقة، تدخن المخدرات مع أبنها، ومع الموظفين الشباب المسؤولة عنهم.
لا يوجد في الفيلم ما يتحدى بلوندي ويخرجها من سباتها، حتى الخلافات اللحظية بينها وبين شقيقتها غير كافية
ربما اجادت في اختيار الممثل الذي قام بدور الإبن حيث يظهر بمظهر الناضج في هذه العلاقة
رأيت أن المخرجة بتتحدى المشاهد بقبول بطلتها على حالها، وإذا كان هذا هو المقصود فقد اجادت في هذه الحالة في تقديم فيلم تتحكم في أحداثه الشخصية ، وكأن ما علينا غير أن نحترم الشخصية بكل ما عليها