عين العقل

كتاب، ومسلسلا بودكاست، ومسلسل أنيميشن قصير، وثلاثة أفلام هم حصيلة الفترة الماضية
الكتاب كان بعنوان
(النقد السينمائي)
للكاتب والناقد علي شلش


كتاب صغير الحجم بصفحاته المائة وثلاثين تقريبا يسطر فيهم الناقد تعريفه لماهية النقد السينمائي في عدة فصول
الفصل الأول جاء تحت عنوان مقدمات
تناول فيه مقدمة بسيطة عن تاريخ الفن السينمائي ثم أعقبه بتاريخ فن النقد السينمائي، ليتبعه في الفصل الثاني بتحديد الأنواع المختلفة للنقد وهم أربعة أنواع كما وردوا في الكتاب
(النقد التاريخي، النقد النظري، النقد الوصفي، النقد الصحفي)
ثم تناول في ثالث فصول الكتاب أهم النقاد السينمائيين الذين تألقوا وأبدعوا في كل نوع من الأنواع سالفة الذكر في مجال النقد
واختتم الكاتب الكتاب بفصل عن النقد السينمائي في مصر، عن نشأته وتاريخه، ومراحل تطوره حتى تاريخ كتابة صفحات هذا الكتاب في عام 1952

وبالتالي المعلومات الواردة به وكذلك أسماء النقاد تحديدا في مصر كانوا لا يزالون نقادا في بداية طريقهم آنذاك، ليصبحوا فيما بعد من أكبر نقاد مصر والوطن العربي منهم على سبيل المثال وليس الحصر
الناقد سامي السلاموني، سمير فريد، وهاشم النحاس، وكامل التلمساني
الكتاب أفادني في سرده لمعلومات عن نشأة النقد في العالم وفي مصر، وعن الأنواع المختلفة لكتبته
وبالتالي هو مفيد كمرجع مختصر وبسيط عن نشأة هذا النوع من النقد، لأن حقل النقد السينمائي شهد تغيرات جذرية على مستوى الغرب مع وجود عدد كبير من المنظرين السينمائيين والحركات الثقافية والاجتماعية التي أثرت وغيرت فيه بعد فترة صدور الكتاب



البودكاست
أولى تجاربي مع عالم المسلسلات الدرامية للبودكاست، التجربة لم تك بالجديدة تماما لاعتيادي على عالم المسرحيات والمسلسلات الإذاعية، ولكن التحدي بالنسبة لي كان يتمثل في الكتابة عنها وتقييمها، لاختلاف البودكاست عن الوسيط السينمائي، لاعتماد أحدهما على الصوت، والآخر على الصورة المتحركة مع الصوت، والمشاركة الإيجابية من خلال تنشيط عين الذهن لتخيل وحبك الحدث المسموع في صورة سينمائية ذهنية

Power Trip


مسلسل درامي بودكاست من إنتاج منصة
Realm
مكون من ثماني حلقات، من نوع الخيال العلمي إنتاج عام 2022
اسم بطلة العمل الممثلة الموهوبة (تاتيانا ماسلاني) كان كافيا بالنسبة لي لخوض التجربة لأول مرة، تاتيانا تؤدي دور جاين كاتبة ناشئة، من ذوي الهمم، ليس لديها أصدقاء أو حياة عملية وتعاني من خيبات في حياتها العاطفية، بالإضافة إلى معاناتها مع مرض الكلى في مراحله المتطورة لتلجأ لإجراء عملية زرع كلى من السوق السوداء بشكل غير قانوني لتفاجأ بعد ذلك باكتسابها قوة خارقة متمثلة في قدرتها على إصدار الأوامر لأي شخص وامتثالهم لتنفيذ أي شيء تؤمرهم به
تمت إذاعة البودكاست في نفس توقيت صدور عمل تليفزيوني من ضمن عالم مارفل للقصص المصورة الخارقة للطبيعة
وهو مسلسل

she – Hulk

وقامت ببطولته أيضا تاتيانا
لكن شتان ما بين العملين على مستوى كتابة الشخصية، شخصية جاين تم بناؤها بكل وضوح في كل مرحلة من مراحل تكوين البطل الخارق ماضيه، اكتسابه لقوته، اختباره لها، التحديات والعواقب في طريقه، والعدو الذي يمثل تهديدا على
عالم البطل، والمواجهة الأخيرة بينهما وتقبله وتمكنه من قوته أخيرا
مسلسل She- Hulk
ظلم تاتيانا بشكل مجحف في الحقيقة، ودخولها عالم مارفل كان غير موفق، فبداية تعارفي عليها كممثلة كان مع مسلسل
Orphan black
ومن أول ظهور لها على الشاشة تدرك امتلاكها لهذا الشيء الذي يسطع ويتألق مع مرور الزمن ومع ثقل موهبتها
ولم تخب ظني عند الاستماع إلى أدائها الصوتي لشخصية جاين، وتجسيدها للشخصية وانفعالاتها وتغيراتها عن طريق رحلة صوتية على مدار الثمان حلقات بصوتها المميز
أكثر ما أعجبني أيضا اختيار ربط قوتها الخارقة بعملية زرع الكلى، كان اختيارا غير مألوف لأن شخصيتها في مسلسل
شي- هالك اكتسبت قوتها الخارقة من خلال اختلاط دمها مع دم قريبها بروس (هالك)، لكن موضوع زراعة الكلى كان مثيرا للاهتمام، فبحثت عن رمزية الكلى في الأساطير لأعثر على هذا المقطع المترجم عن موقع مكتبة معاهد الصحة الوطنية الأمريكية:

“بينما كان السوريون والعرب ينظرون إلى الكبد على أنه مركز الحياة ، احتلت الكلى ، في المقابل ، مكانة أساسية ذات أهمية في إسرائيل. في التقليد العبري ، كانوا يعتبرونها أهم الأعضاء الداخلية إلى جانب القلب. في كثير من الأحيان ، ترتبط الكلى في العهد القديم بأكثر التحركات الداخلية للحياة العاطفية. لكن يُنظر إليها أيضًا على أنها مقر الأفكار السرية للإنسان ؛ يتم استخدامها كمجاز للفأل ، كاستعارة للتمييز الأخلاقي ، للتأمل والإلهام. وهكذا تُستخدم الكلى في العهد القديم “في المقام الأول كاستعارة لجوهر الشخص

رحلة جاين واكتشافها لقدراتها الخارقة في إصدار الأوامر للأخريين تزامنت مع رحلتها لاكتشاف حقيقة هويتها الجنسية وتطور جوهر شخصيتها، وهذا الموضوع كان من أفضل جوانب النص المكتوب للبودكاست، وكذلك الذكاء في اختيار صيغة الأمر للعناوين الخاصة لكل حلقة بما يتماشى مع طبيعة القوى التي تمتلكها الشخصية، بالإضافة إلى المؤثرات الصوتية الخاصة لتعريف المستمع وتمييز إصدار الأوامر من جاين من خلال وجود صدى صوتي يكون مصاحبا لصوتها مع موسيقى خاصة
وتنوع المؤثرات الصوتية مع وجود شخصيات أخرى في الحلقات من أصحاب القدرات الخارقة، وموضوع المسلسل يتماشى مع السياسة الحالية لوسائل الإعلام في العالم الغربي في توجيه الاهتمام للمرأة وقدراتها وحريتها الشخصية والجنسية


وهذا أيضا يتفق مع موضوع البودكاست الآخر الذي بدأت فيه فور انتهائي من بودكاست رحلة القوة
ويحمل عنوانا
Dirty Diana
إنتاج منصة
QCode- 2020


قامت ببطولته وإنتاجه أيضا الممثلة (ديمي مور) في دور ديانا الموظفة في شركة للتأمين متزوجة من أوليفر (كلايس بانج) ولديها ابنة، تعيش ديانا حياة قد تبدو مثالية من الخارج، ولكن لهذا المظهر وجه آخر
فهي تدير في الخفاء موقعا لتسجيل بودكاست خيالات جنسية جامحة للسيدات، تتعقد الأحداث عند معرفة إحدى العميلات بيترا (كارمين إجوجو) في شركة التأمين عن حقيقة الوجه الآخر لها

يوجد تحذير في بداية كل حلقة، ان الحلقات موجهه لمن هم اكبر من الثمانية عشر عاما لاحتوائه على الفاظ اباحية ومشاهد جريئة او فاضحة لان العمل ينتمي لنوعية الإيروتيك دراما
فاجأتني ديمي مور الحقيقة بادائها بعدما اصبحت مقلة في اعمالها السينمائية، واستطاعت هنا تغيير الصورة المعتادة عنها في السينما كأمراة جميلة مثيرة صاحبة جسد مثير وصوت فيه بحة مميزة، نجحت مور في استغلال تلك البحة المميزة في خلق شخصية ديانا الغامضة، هنا لم تظهر مور كجسد ولكن صوت استطاع نقل معاناة جسدها في علاقتها الجافة مع زوجها، وسجنها داخل الصورة المثالية التي نسجتها ديانا عن نفسها، ومنحت لرغبتها شكل اخر، وما لم تستطع فعله في حياتها الخاصة، قدمته من خلال خيالات الاخريات ومحاورتها إياهن
المسلسل مكون من ست حلقات، تحمل كل حلقة اسم بطلة الحلقة التي تسرد خيالاتها الجنسية وتقوم ديانا بتسجيلها في برنامجها، تبدأ كل حلقة بتسجيل صوتي لخيالات الشخصية لننتقل بعدها لتفاصيل حياة ديانا وازمتها الزوجية والعائلية والعملية
أولى سيناريو المسلسل اهتمام بنسج خيوط شخصية ديانا، وزوجها، وشخصية بيترا المحرضة والمحفزة للأحداث
وشخصية ديانا شخصية مركبة على المستوى الشخصي ( علاقتها بزوجها، وعلاقتها الهامشية بابنتها، وسر علاقتها بوالدتها) وعلى المستوى الاجتماعي ( علاقتها بصديقتها، والموظف المسئول عن عملها السري) واخيرا علاقتها المهنية ( في نطاق عملها نظرة رؤسائها الذكورية لها، وشخصية بيترا)

ديمي مور قدمت الشخصية ووصلت الإحساس بأن ديانا تتعقد حياتها من خلال قناع الكذب الذي توارت خلفه إلى أن وصلت لنقطة الانهيار لتقرر بعدها مصيرها، صدر البودكاست بعد فترة من إصدار ديمي مور كتاب يحمل قصة حياتها وجوانبها المختلفة الفنية، العائلية، الشخصية، الاجتماعية
حمل الكتاب عنوانا
Inside out: A memoir
شخصية ديانا تحمل كثيرا من ملامح شخصية ديمي مور، العلاقة الشائكة بينها وبين والدتها، التخبط في حياتها المهنية بسبب الصورة التي كونها عنها الأعلام للمشاهدين، تحديات مهنتها كممثلة في وسط عالم يحكمه الرجال، كل هذه الملامح تتشابه مع حياة ديانا، لذلك كانت خطوة مشاركتها في إنتاج البودكاست جاءت منطقية

أبرز ما لفت انتباهي كان في الحلقة الأخيرة التي حملت اسم آماندا عشقيقة زوج ديانا
مشهد الخيالات الجنسية لأماندا، وديانا لتستمع لها وهي تدرك جيدا أنها تتحدث عن خيالاتها مع زوجها أوليفر، كان مشهدا مهما جدا ولكن أهميته كانت متمثلة في افتقاد صورته السينمائية بمعنى
المشهد يحمل ثلاث وجهات نظر
وجهة نظر آماندا أثناء سرد التخيل
وجهة نظر ديانا المتمثلة في ردود أفعالها على ما تسمعه، ويقينها أن زوجها هو المعنى في تخيلات آماندا
وجهة نظر المستمع الذي يجتهد لحبك الصورتين السابقتين في مخيلته
المشهد كان هيكونة أفضل بشكل سينمائي عنه صوتيا، لكن البودكاست استعاض بوسائل درامية أخرى، مثلا:
عدم الانغماس في التخيلات من خلال تجنب وضع الموسيقى والمؤثرات المثيرة المصاحبة كما هو معتاد في كل حلقة
مقاطعة ديانا لحديث آماندا عند شعورها أن الشخص المقصود في تخيلاتها هو زوجها أوليفر
نبرة العصبية وعدم الارتياح في صوت ديانا
كل هذه الوسائل كانت عوضا عن الصورة السينمائية وتركت للمستمع أن يتخيلها بعين عقله كما يشاء
اتطلع لموسم جديد من هذا العمل لاهماله كثير من التفاصيل المهمة في موسمه الاول

Neon

في الحقيقة هذه التدوينة ستكون في حب شركة الإنتاج والتوزيع المستقل
Neon
لأن كثيرا هم الملتفون حول شركة
A24
وقلة هم المهتمون بإنتاجات شركة نيون
شاهدت مؤخرا عملين من توزيع هذه الشركة، واستوقفت عندهم قليلا


الفيلم الأول الذي كنت أنتظره كثيرًا يحمل عنوانا
Enys men – الجزيرة الصخرية
من إخراج مارك جينكين، ويعد الفيلم العمل الثاني للمخرج بعد فيلمه الأول
“Bait”- الطعم
الذي حقق نجاحًا نقديًا، وتجلى عن موهبة مخرجه في التجريب السينمائي
ينتمي فيلم الجزيرة الصخرية لنوعية أفلام الرعب النفسي عن إحدى السيدات التي قد تكون عالمة نباتات، تعيش فوق جزيرة منعزلة بمفردها لدراسة طبيعة النباتات فوقها، وتقع الأحداث في الأيام الأخيرة من شهر أبريل علم 1973

جينكين يحب التجريب واكتشاف قدرات الوسيط السينمائي الذي يتعامل معه، ومن شاهد عمله السابق وتمعن في مشاهدته جيدا سيدرك أن هذا المخرج يعول كثيرا على إمكانيات الصور والمعنى المتولد من تجاورها لإيصال المغزى للمتفرج، وبالتالي الشكلية هي الطاغية في أفلامه، لكن هذا النهج سلاح ذو حدين في زمن يفقد فيه المشاهد تركيزه بعد ثوان معدودة
إذا لم يجد حكاية تجذب انتباهه ويبحر في طياتها او صور تبهره

وأرى أن مكمن القوة في أفلام المخرج هو المونتاج الذي يقوم به ايضًا، واعتماده على نوع من النهج البصري يسمى
inductive visual approach
أي استهلال المشاهد من الداخل إلى الخارج، من اللقطات التفصيلية المقربة التي تسبب إرباكا للمتفرج وعلاقته زمنيا ومكانيا مع المعروض على الشاشة ثم ينتقل تدريجيا إلى اللقطة الواسعة التأسيسية التي توضح علاقتنا بالمكان والزمان والأبطال، وهذا الأسلوب يمتاز بمشاركة المتفرج في الربط بين ما يراه على الشاشة وتخلق الحكاية في ذهنه، وهذا برأيي حقق المرجو منه في بداية الفيلم، وكان كافيًا لتأسيس حالة اللاتغير المسيطرة على حياة بطلة الفيلم، ولكن مع بدء اجتياح التغيير تدريجيا لحياتها، تعمد هذا النوع من النهج البصري على تمييع الحد الفاصل بين الحقيقة والمتخيل، وعند تلك النقطة إما سيفقد الفيلم اهتمام المتفرج أو سيزيد من فضوله لاستكمال الرحلة مع البطلة

ثم يأتي اختياره الموفق للتصوير مستخدمًا كاميرا 16 مللي لمنح المصداقية والإحساس بنوع الأفلام الخام الذي كان شائعًا في فترة السبعينيات، ومنح الإحساس بأن الصور تسجيلية، فنتج عن اختياره هذا لقطات طبيعية جميلة مفعمة بحيوية طبيعة المكان، وكذلك تجسيد خشونة وقسوته من خلال الحبيبات الخشنة التي يمتاز بها هذا النوع من الأفلام الخام

كما وفق أيضا المخرج في اختيار المكان الذي تقع فيه الأحداث، لأن الجزيرة هنا تعد البطل الرئيسي الثاني في العمل بعد بطلته الرئيسية، واختيار وتصميم تكوين اللقطات والجمع ما بين الشق الجامد والشق الحي النابض بالحياة فيها عزز من موضوع الفيلم، ثم يأتي الاختيار الإبداعي الخاص بالتمثيل والدور الرئيسي الذي قامت به الممثلة وزوجة المخرج ماري ودڤين، رغم قلة جملها الحوارية وتمثيلها الصامت إلا أنها كانت موفقة جدا في الأداء وتنوعت ردود أفعالها بين المطمئنة الهادئة مع بداية الأحداث ثم بداية الارتباك والخوف مع تغلغل التغيير لحياتها ثم الفزع مع تأزم حالتها ثم الاطمئنان والتقبل عند النهاية
الفيلم يستحق التعمق أكثر من انطباعي هذا وعن فهمي لطريقة وأسلوب السرد، ولكن التأويل الخاص بالفيلم سيختلف من مشاهد لآخر
مارك جينكين مخرج أتطلع لأعماله منذ ما شاهدت فيلمه الأول، وفي انتظار المقبل لأنه بكل تأكيد واحد من قلة المخرجين المغردين خارج السرب


الفيلم الأخر هو فيلم
Sanctuary – الملاذ

“توجد مقولة في الأوساط الأدبية أن:” الناقد هو مشروع فنان فاشل
ولكن اثبت الكثير من النقاد على مدار تاريخ الفن السينمائي خطأ هذه المقولة، على رأسهم المخرجة والمنظرة والناقدة الفرنسية الكبيرة جيرمين دولاك، وكذلك نقاد مجلة كراسات السينما الفرنسية الذين حملوا لواء الموجة الفرنسية الجديدة في السينما

نحن هنا أمام فيلم صنعه ناقد وهو زاتشاري ويجون ، في ثان عمل روائي طويل له
المخرج اختار أن ينتمي فيلمه لنوعية أفلام المكان الواحد الإيروتيكية، وتقع الأحداث في غرفة فندقية بين بائعة الهوى ريبيكا ( مارجريت كوالي)، وهال ( كريستوفر آبوت) الوريث حديث العهد لسلاسل فندقية، وتتعقد الأحداث عندما يقرر هال أن تلك الليلة ستكون الليلة الأخيرة بينه وبين ريبيكا

نجح المخرج في استغلال المكان الواحد في لعبة السيطرة الإيروتيكية بين الرجل والمرأة، لكن الرحلة الضمنية تمثلت في إدراك للبطل امدى استعداده لتولي السلطة بعد رحيل والده المتشدد
تنوع بناء المشاهد في الفيلم وتراوح ميزان القوة بين بطلي العمل، وكذلك تنوعت حركة الكاميرا بينهم، واختيار الأحجام المختلفة وبالأخص اللقطة المقربة التي عززت من إحساس انعزال الشخصيات بداخل الصراع بينهما بما يوازي انعزالهم بداخل الغرفة التي تقع بها الأحداث

تتجلى قوة المخرج في توجيه واختيار الممثلين أكثر من أي عنصرا إبداعيا آخر، وتحديدا مارجريت كوالي التي قدمت أداء متفردا بما يليق بطبيعة دور المغوية المتسلطة عاشقة السلطة، وفي المقابل نجح كريستوفر في إتقان الشخصية الضعيفة أمامها وكان كما لو كان دمية في يديها

ولكن توجه المخرج واستغلال السيناريو للفكرة المسيطرة في الوعي الجمعي لدى الكثير من الثقافات عن أن المرأة هي العنصر الأقوى في الجنس رغم ضعفها، واستخدام الإيروتيكية وعلاقة العبد والسيد هنا رأيتها متحايلة لتقديم عمل يلائم الخطاب السينمائي الحالي بما يتماشى مع وضع المرأة على قدم المساواة مع الرجل، بل وذهب الفيلم لما هو أبعد من ذلك ونجح في تغيير صاحب اليد العليا في السلطة الفعلية والجنسية في الحكاية
رأيت هذا التوجه سخيف ومبتذل، في استخدام صورة شائعة وتوكيدها لمساندة فكر جديد

القابع وسط الأحجار الرمادية

يوم الخميس الثامن عشر من مايو الماضي، في الساعة السادسة والنصف مساء توقف قلب والدي للأبد، توقف قلبه بعد شهرين من المعاناة والتنقل من مشفى الي اخر، توقف قلب أبي مرتين وعاش بفعل الصدمة الكهربائية في محاولات لانعاشه، إلي ان ودعته ثم توقف قلبه نهائيًا
لم أتعاف نهائيًا من صدمة رحيل والدتي التي رحلت فجأة دون وداع،أما أبي رأيت معه الوجه القبيح للموت، كانت روح والدي تغادر رويدا رويدا كل يوم، ومعه روحي، كنت أموت أمام سريره كل يوم، كل يوم
عقلي لم يستوعب الموت عند رحيل أمي وبقاء أبي إلى جانبي منحنى سبب للعيش، أما الآن فقد تركني هو أيضا وينبغي أن أجد سببا كافيا لتحمل حياة بالكاد أطيقها
يتحدثون عن الفراق وعن سنن الحياة وعن القدر وعن العوض وعن تقبل الأمر أشياء كثيرة، والمفترض أن عقلي يتقبل كل هذا ويمضي في الحياة، يتحدثون ويتحدثون وأنا أصرخ بداخل عقلي “يا أبي انهض من قبرك واجعلهم يصمتوا

لم توجعني الأفلام التي تناولت الموت بقدر فيلم
بين الأحجار الرمادية – Among Grey Stones
للمخرجة الأوكرانية
كيرا موراتوفا
ويدور الفيلم حول قاض فقد زوجته بعد معاناتها مع المرض، فأهمل أطفاله فما كان أمام طفله الصغير سوى التقرب من عائلة من المتشردين يعيشون في كنيسة مهجورة في المقابر، ومن معاشرته لهم يتعلق بفتاة صغيرة وعندما يخطفها الموت منه أيضًا يبدأ الطفل في استيعاب رحيل أمه، وشفقته على حال أبيه

رأيت هذا الفيلم منذ فترة وأبكاني لأني لم أر فيلما آخر يصور ألم الفقدان والتيه في الحياة ومحاولة التأقلم مثله
الآن فهمت مشاهد رغبة الأب في التخلص من أشياء زوجته من حوله، وتكرر سؤاله لابنه عن إذا ما كان يتذكر أمه أم لا، فهمت عدم رغبة الصبي في سماع كلمة متوفية وموت، فهمت صراخ الخالة ومحاولة تماسكها أمام الأطفال، فهمت ترك غرفة الأم على حالها وفتح الباب يوميا للتأكد من بقائها على حالها، فهمت احتضان الصبي لصورة الأم وتقبيله ليديها

صورة الفيلم جميلة (التصوير السينمائي) أجواء البيت الكئيبة، مقابل أجواء المقبرة وروحانيات الكنيسة والإضاءة بداخلها
أداء الطفل الصغير كان بريئا وطفوليا وحزينا، أحببت مشاهده الأخيرة في مواجهة مع الأب وبكائه العفوي أثناء الحديث
أفلام المخرجة صعبة لأن الحوار بها متكرر لإحداث الاغتراب، وقد يكون الحوار ليس له علاقة بصلب الموضوع لاعتمادها في أحيان كثيرة على ارتجالات الممثلين

مع كل مشاهدة أتمنى أمنية مستحيلة، وهي مشاهدة النسخة الأصلية التي لم تتعرض لمقص رقيب الاتحاد السوفيتي، الأمر الذي جعل المخرجة تتبرأ من الفيلم، ورغبتها في وضع اسم شخص آخر عليه بدلا من اسمها
بالنهاية قد يرى البعض هذا الفيلم ليس الأفضل عن الموت، ولكنه كان قاسيا في كل مرة أشاهده فيها
وانتهى منه وجملة الطفل (إن الأحجار الرمادية تمتص الحياة من المرء) عالقة في ذهني

اليوم الأول من حياتي

تعددت الأعمال السينمائية التي تناولت موضوع قوة إرادة الحياة في مواجهة الموت، وكشف الحجاب أمام الشخصيات عما قد تؤول إليه حيواتهم إذا ما أقدموا على إنهائها في لحظة يأس، وربما أشهرهم وأفضلهم هو فيلم
it ‘s a wonderful life  للمخرج فرانك كابرا
ولكن تتشابه حكاية الفيلم الإيطالي
اليوم الأول من حياتي)، للمخرج والكاتب الإيطالي  بأوللو جينوفيز، مخرج ومؤلف أفلام)
perfect stranger، the place
مع سطور أقصوصة (مأساة مجهول) لجابريل جارسيا ماركيز عن:
مأساة اليائس الذي ألقى بنفسه من الطابق العاشر إلى الشارع وبينما كان يهوي رأى من النوافذ حياة جيرانه الحميمة. مآسيهم المنزلية الصغيرة. الغراميات القسرية. لحظات السعادة القصيرة… وكل تلك الأمور التي لا تصل أخبارها قط إلى درج البناية المشترك. وهكذا تبدل مفهومه تماما عن العالم في اللحظة التي ارتطم فيها برصيف الشارع.

ولكن تتمثل حالة السقوط هنا في الفيلم لشخصياته الرئيسية الأربع بعدما أنهوا حيواتهم في قضاء سبعة أيام برفقة شخص مجهول يصحبهم إلى فندق يتولى إدارته، ويمنحهم فرصة للعيش بين الموت والحياة سويا ليتداركوا ما فقدوه، وما قد يفقدونه بسبب قرارهم المصيري

تنوعت الشخصيات  ما بين شرطية ثكلى تخطت الخمسين فقدت ابنتها ولم تتجاوز فقدانها، وخبير في التنمية البشرية استنزفه تقديم حلول لمشاكل الاخرين في سعيهم لتحقيق امانيهم، وفي المقابل تحولت حياته الي هوة سحيقة لا قرار لها، ولاعبة جمباز شابة انطفأت جذوة الحياة لديها بعد تكرار محاولاتها الفاشلة في تبوء المركز الاول في المنافسات الرياضية ولم تستطع مواجهة الفشل، اما الشخصية الاخيرة فكان طفل صغير يعاني من البدانة ومصاب بداء السكري، استغل والداه حبه للأكل، ودفعوه لتناول كميات كبيرة من الاطعمة وتصوير نفسه اثناء تناولها ليحصد مشاهدات على شبكة الأنترنت ويدر عائد مادي لعائلته، فأقدم الطفل على الانتحار بعد تعرضه للتنمر بسبب ذلك

أفلام المخرج تعتمد بدرجة كبيرة على الحوار، ودفع الشخصيات بعضها البعض نحو مواجهة حقائق وأسرار يتعمدون إخفاءها، تواجد الشخصيات هنا في كثير من الأحايين مع بعضها دفعتهم للحوار، واكتشاف أمور عن أنفسهم وعن الآخرين، ولكن ظلت أكثر شخصية مثيرة للاهتمام وهو (الرجل الغريب) الذي اصطحبهم بعد الموت غريبة عن المشاهد، لا ندرك حقيقته، إذا ما كان ملك الموت، أم أحد الملائكة، ورغم أنها شخصية أحادية تلعب دور المحفز للشخصيات المحيطة بها، إلا أنها كنت بالنسبة لي أكثرهم غموضا، وبسبب الممثل القدير توني سيرفيلو الذي قام بأداء هذا الدور، وكنت أنتظر ظهوره على الشاشة من مشهد لآخر لأنه ممثل قدير يمسك بتلابيب الشخصية التي يلعبها أي كانت، حتى مع قلة سطوره، وقلة عدد مشاهده مقارنة مع مشاهد باقي الممثلين إلا أن شخصيته وابتسامته الهادئة واسلوبه الرزين في الحوار بما يتناسب مع طبيعة الشخصية التي يقوم بها منحها غموض وألق كان يستحق القاء الضوء اكثر عليها، لذا كان من أفضل مشاهدة المشهد الذي كان يعلق فيه صوره مع بقية الشخصيات على جدارية تمتلئ بصور تعرف
المتفرج على تاريخ الشخصية مع شخصيات اخرى وقعت حكايتهم قبل حكاية هذا الفيلم

وفيلم اليوم الأول من حياتي لا يختلف كثيرا عن الأفلام الأخرى التي تتشابه معه في الموضوع، سواء في نمطية تطور الشخصيات، وحتى نهايته المتوقعة، أما العناصر السينمائية الأخرى لم يتفرد أي منها لإنقاذ الفيلم من عاديته، اللهم إلا مشاهد قليلة من الساعتين مدة الفيلم التي تميزت بدفء العلاقات التي توطدت بين شخصياته يتخللها حوارا يشبه الحوارات التحفيزية للتنمية البشرية. وربما كان أفضل اختيارا إبداعيا هو اختيار نوع السيناريو الدائري لسرد القصة بمعنى الرجوع في نهاية الحكاية إلى النقطة التي بدأ منها الفيلم، على عكس أقصوصة ماركيز الذي لم يمنح فرصة ثانية لبطله البائس، لأن دائرية الحكاية هنا جاءت مناسبة مع موضوع الفيلم في أهمية الفرصة الثانية والأمل في الحياة
الفيلم للأسف ليس على مستوى أفضل أفلام مخرجه وهو فيلم
perfect stranger

فيلم (اليوم الأول من حياتي) يصلح لمشاهدة هادئة قد يتخللها أحيانا الملل، ولكنه رغم ذلك يصرخ عَالٍ بقوة إرادة الحياة مقابل الموت، وفي نفس الوقت لم يغب عنه أيضا أن لنا في الموت حياة

إمبراطورية الضوء- انطباعات قصيرة 5

Empire of Light Poster © 2022 20th Century Studios All Rights Reserved.

قمت بترجمة حوار للمخرج سام ميندز عن فيلمه امبراطورية الضوء
واتضح من الحوار تركيزه على نقطتين اثناء كتابته لسيناريو الفيلم وهما
ان الفيلم كتب خصيصا من اجل الممثلة اوليفيا كولمان عندما رأها في مسلسل العائلة المالكة، ورأى فيها شخصية هيلاري سمول بطلة حكايته التي تواجه صراعات نفسية وتعمل في دور عرض سينمائية في احدى المدن الساحلية في بريطانيا خلال فترة الثمانينيات
النقطة الأخرى هي رغبته في اضافة ذكرياته عن تلك الفترة وعن الاضطهادات العرقية في انجلترا اثناء تولى مارجريت تاتشر لرئاسة الوزراء
واراد ان يتماس الصراع الداخلي لهيلاري مع الصراع الخارجي الذي سيتعرض له ستيفن البطل الاسمر الشاب الذي سيخوض علاقة عاطفية مع هيلاري
الحوار كان كفيل إنه يشجعني على قراءة سيناريو الفيلم الذي كان اكثر دفء وحياة عن الفيلم
الفيلم نجح في انه يكون فيلم اوليفيا كولمان، كان فيلمها، وادائها طغى على كل العوامل الفنية الاخرى في الفيلم بما فيهم سينماتوغرافي رورجر ديكنز وإخراج ميندز
كولمان كانت انفعالتها بتتبدل وبتتغير في المشهد الواحد، بل وفي اللقطة الواحدة
اما نقطة الصراع، فكان اكبر خطأ من جانب ميندز ككاتب انه حجب جذور تدهور الحالة النفسية لهيلاري للقسم الثالث من الفيلم، شخصية مدير السينما التي قام بها الممثل كولين فيرث كانت بشعة على الورق، تكره اللحظة التي سيظهر فيها واستغلاله لهيلاري
لكن تصوير العلاقة الشائنة بينهم كانت حركة ذكية من المخرج ومدير التصوير بالاحتفاظ بالكاميرا على مسافة من الحدث، وانه يكون في الظلام
على عكس تصوير علاقة هيلاري وستيفن ـ التصوير اختلف وتحيز المخرج والكاتب للعلاقة وتأثيرها على البطلة، واضافته للموسيقى التصويرية للمشهد خلق تباين واضح بين الحالتين

يوجد مشهد مهم على الورق انتظرت تنفيذه على الشاشة لما له من دلالة لحالة البطلة، مشهد القسم المهجور من السينما وعلاج ستيفن للحمامة المصابة
كان مشهد مهم على الورق لإن حالة هيلاري كانت تماثل الحالة المهترئة للقسم المهجور وكذلك للطائر المصاب، ولإن المشهد بيظهر سمات في شخصية ستيفن
حبيت جدا تنفيذ المشهد والوانه وتصويره والموسيقى المصاحبة له
لكن عندما تخرج الشخصيات من الورق لتجد لها حياة على الشاشة وتتقاطع دروبها تحتاج لتفاصيل كافية لنتعلق بها، وليس كاف الالقاء بفتات لمعلومات هنا وهناك
ولم اشعر بالجاذبية بين اوليفيا ومايكل ورد، ولم اشعر بالاشمئزاز من كولين فيرث على عكس الورق وافتقدت دفء الاحساس بالروابط بين الشخصيات كما كان على الورق
لكن تظل هيلاري شخصية حية بفضل اوليفيا كولمان

الحوار المترجم لمن يرغب في الإطلاع عليه على موقع عين على السينما

تقييم الفيلم

⭐⭐⭐

هملت-كوروساوا) انطباعات قصيرة-4)

الملصق الدعائي للفيلم
image copyright Criterion

من بين اقتباسات عدة لهملت شكسبير أفضلهم بالنسبة لي كانت النسخة التي قدمها لورانس أوليفيه
لأسباب عديدة أهمها ان اوليفيه اتى من المسرح من وسيط مختلف لنقل هملت بوسيط اخر يعتمد اكثر على الصورة عن الحوار الذي يمتاز به المسرح
اوليفيه عزل اجزاء من المسرحية وركز على محنة هملت الرئيسية
ومن خلال الصورة اختصر اوليفيه مقاطع حوارية كاملة بالتعبير عنها بالصورة فقط، ربما اشهرهم كان مشهد حفار القبور، الجزء الأول من هذا الفصل في المسرحية تم التعبير عنه واختزاله بالصورة فقط
واليوم شاهدت اقتباس اخر بتصرف عن هملت لكوروساوا
تناول المخرج الإطار العام لحكاية المسرحية ولكن نقل اجواء الحكاية لليابان الحديثة ما بعد الحرب، والفساد المتفشي في الشركات الكبرى
هنا هملت لم يك احد النبلاء ولا من ابناء الطبقة العليا ولكن كان ابن غير شرعي لموظف بسيط في إحدى شركات المقاولات وبسبب الفساد المستشري في الشركة يجبره رؤساؤه على اتخاذ قرار مأساوي، فيقرر الأبن الأنتفام لأبيه
كوروساوا ابدع في تصوير الانتقام، هنا هملت لا يدعي الجنون، ولا يرهقه الضمير، لكن لاستكمال النزعة الانتقامية سكن الجنون في نفوس وعقول خصوم البطل
الفيلم ايضا من بطولة توشيرو ميفونى، وجسد السكون الخبيث في شخصية البطل بجدارة، كان مظهره الخارجي خادع عما يبطنه
وبرع كوروساوا في المشهد الافتتاحي، واحدة من اجمل الافتتاحيات في تقديم الشخصيات بدون إقحام للمعلومات، ومعرفة خطوط الحكاية، والابطال والخصوم والمعضلة، يوازي في جماله وابداعه ما فعله ايضا اوليفيه في المشهد الافتتاحي واستعراض الاماكن الرئيسية لوقوع الاحداث
حتى تصميم الملصق الدعائي للفيلم رائع، والعنوان اجمل واجمل
ينام السيئ قرير العين

تقييم الفيلم

⭐⭐⭐⭐

انطباعات قصيرة -3

هذه المدونة بحاجة للعناية والاهتمام من جانبي، لكن هل من قارئ في هذا الاثير الافتراضي

ما المشترك بين المتعة والموت وابطال الفيلم؟
كلاهما يقتضي بوجود اللحظة الآنية بمعنى الشهوة العارمة لابطال الفيلم تقتضي اللحظة الحاضرة وكذلك الموت
لكن اللحظة الآنية هي نتاج لماضي ونقطة انطلاق لمستقبل، وهي كذلك قصيرة جدا لمعرفة حقيقة الاشياء والنظر للأمور من كل الابعاد
المخرج جسد اللحظة الآنية بوجود ابطاله ورحلتهم
لكن انغماسهم فيها الذي يشبه كثيرا انغماس مشاهد الفيلم نفسه في المشاهدة كان بحاجة لإن يلتفت من حين لأخر لوجود ماضي ومستقبل وحقيقة غير مرئية
لذا جاء الاستخدام البليغ لصوت الراوي العليم بكل شيء، صوت خارج حدود الفيلم، يخبرنا بماضي وحاضر ومستقبل ليس الشخصيات فحسب وانما بأحوال البلاد
امور يغفل عنها او يخفيها الابطال عن بعضهم
والتذكير بثالوث الماضي والمستقبل والحقيقة تجسد من خلال ابتعاد الكاميرا عن الابطال والاستغراق في تصوير البيئة المحيطة بهم، وهي كانت بمثابة المعادل البصري للراوي العليم بكل شيئ
المخرج بهذا نجح في وضع مسافة بين المشاهد وعدم انغماسه في التيار الحسي للصور، ولجأ لاستخدام قطع الصوت بصورة مفاجئة ثم استخدام صوت الراوي، وكذلك تجميد الاطار للحظات قبل استكمال بقية الاحداث
ليخبرنا ان هذا مجرد فيلم ويوجد عالم خارج حدود الشاشة ومكان المشاهدة
ليتفرد بالأخير اهم عامل في الثالوث الذي يتناوله والفيلم وهو
الحقيقة
جميعهم اخفوا الحقيقة، وفي النهاية لم يستطيعوا مواجهة حقيقة رغباتهم
فيلم يستحق المشاهدة لتفرد نصه السينمائي، وما به من طبقات اعمق بكثير من مجرد شهوة الشباب ورغبة امراة في منتصف العمر

تقييم الفيلم

⭐⭐⭐⭐

عندما ينقلب السحر على الساحر- انطباعات قصيرة 2


فيلم قصير جميل من منصة ديزني للمخرجة الإيطالية (أليس رورفاكر) مخرجة فيلم
Lazzaro Felice
الفيلم بتدور احداثه في عشية عيد الميلاد في دير كاثوليكي للفتيات في إيطاليا اثناء الحرب
ونتيجة الظروف القاسية التي تعاني منها البلاد، بيفتح الدير ابوابه عشية عيد الميلاد للمواطنين للحصول على مباركة الفتيات اليتيمات، وللتبرع للدير
وطول الفيلم بتتأرجح كفتي تشدد المؤسسة الدينية أمام براءة الفتيات، لكن الطابع الكوميدي وجمال الفتيات وبراءة التفكير منح الفيلم خفة كان هيفتقدها إذا ما تم تناول الموضوع بجدية
بالاضافة لاختيار الاطفال وتحديدًا الطفلة بطلة الفيلم (ميلسا فالسكوني) اللي قامت بدور سيرافينا، كانت جميلة وبريئة، وتحتار إذا ما كانت افعالها نتيجة عن خبث الاطفال ام فعلا من برائتها وحداثة سنها
في المقابل ادت الممثلة (ألبا رورفاكر) شقيقة المخرجة دور رئيسة الراهبات بحزم وجدية، ومن اجمل المشاهد
مشهد المواجهة الاخيرة بينها وبين سيرافينا وهو اهم مشهد في الفيلم :
عندما ينقلب السحر على الساحر، وتستخدم الطفلة بكل براءة حجة رئيسة الراهبات للدفاع عن موقفها في هذا المشهد
الفيلم فيه لحظات كثيرة بيكون واع بنفسه من خلال:
استخدام اصوات الفتيات لسرد العناوين الافتتتاحية، وكذلك القيام بدور الجوقة اللي بتسرد احداث الفيلم
في المجمل فيلم لطيف ومناسب لاجواء اعياد الميلاد المجيد

انطباعات قصيرة

قررت مشاركة الانطباعات القصيرة التي اكتبها احيانًا على موقع
Letterboxd
للمداومة على التدوين هنا
الانطباع التالي عن الفيلم الوثائقي
Cow 2021

فيلم “بقرة” الفيلم الوثائقي الوحيد للمخرجة البريطانية أندريا أرنولد، مخرجة افلام
Fish tank, American honey
ودائما ما تتصدر الشخصيات النسائية اعمالها، هنا اختارت الفيلم يكون وثائقي مباشر بدون اي تدخل مباشر منها، وعدم وجود مقابلات شخصية في الفيلم، ودون وجود تعليق صوتي، او اي من الادوات المعتادة في بعض انواع الافلام الوثائقية
اختارت تسجيل حياة بقرتين، الفيلم بيبدأ بأول بقرة وهي بتلد البقرة الصغيرة اللي هينقسم الفيلم بالتناوب ما بين اوضاعهم
الفيلم قد لا يحمل انتهاك صريح لحقوق الحيوان، وهنا تكمن نقطة قوته، بمعنى المخرجة اظهرت ماذا تفعل الراسمالية والدائرة الانتاجية في الحيوان دون الاخذ في الاعتبار انه كائن حي بيفهم وبيشعر، وما زاد الطين بلة تعامل اصحاب الماشية بنفس الطريقة مع ماشيتهم
فالمخرجة اتجهت الاول مع البقرة الأم، في كيفية تعامل اصحاب المزرعة معها، نظرا لكبر حجم المزرعة بيتم ترقيم الابقار، ومنحها اسم، ويتم صفهم عند عملية حلب الالبان، او تنظيف الحوافر
كل ما سبق كاميرا المخرجة كانت تتابع البقرة، واحيانا الكاميرا كانت تمنح طابع انها حيوان اخر ضمن الماشية، والتركيز على اجزاء من جسد الحيوان، وهنا ظهر التشيؤ بأبشع صوره، عندما نرى جزء من الصورة ويتم تكوين الانطباع في اذهاننا ان هذا هو المعتاد في التعامل مع الماشية ولكن تفتح الاطار بعدها لنرى بشاعة الصورة الكبيرة في التعامل مع الحيوان
المخرجة ليست بحاجة لإظهار جوانب عنف، لانها استخدمت اللقطات القريبة بكثرة، ومنحت للنظرات وحركات الماشية تفسيرات ضمنية عند المشاهد
وفي نفس الوقت بتصويرها نوع الحياة الاخرى للبقرة المولودة بتشير لاختلاف طرق التربية واختلاف طرق التعامل مع الحيوان
الفيلم له تأثير قوي، لإن تأثيره متصاعد، هو ليس مجرد كاميرا تتابع حركة حيوان، ولكنه هنا راصد، ومعلق صامت على الاوضاع

صورة النيجاتيف للشقراء

:فيلم شقراء إذا وصفته في جملة واحدة فهو:

صورة عن صورة لنقل صورة أخرى

وبمعنى أكثر تقنية، الفيلم هو صورة سالبة عن صورة موجبة لنقل صورة سالبة

والصورة هنا لها معاني كثيرة أولها بالنسبة لي هو التوقع

عند معرفتي للوهلة الأولى عن مشروع فيلم يتناول حياة الممثلة مارلين مونرو، ومن بطولة آنا دي أرماس، توقعت فيلم اخر سخيف لتمجيد صورتها الايقونية، وزاد التوقع بعد استقبال حافل نوعا ما للفيلم في مهرجان فينيسيا مؤخرًا، ولكن قبل صدور الفيلم على المنصات قبل أيام قليلة ومع ارتفاع توقعات محبي السينما، تغير توقعي عن الفيلم، ادركت شعورياً إني لن ار مارلين على الشاشة، ولن ار سردًا حقيقياً عن حياتها، ولكن سأرى صورة، لإن مارلين اشهر صورة مصطنعة عرفتها البشرية بعد صورة العذراء، نحن لم نر مريم العذراء في الحقيقة، ولكن عكسها الفنانين من وحي انطباعاتهم عنها وعن صورتها في الكتب المقدسة

ومارلين كذلك، لا أحد يعرفها حتى المقربين منها، ولكنهم نقلوا صورهم وانطباعاتهم عنها، والكاميرا والاعلام نقل لنا الصورة التي خلقتها استديوهات الانتاج منذ بداية شهرتها، هم من استغلوا حبكة طفولتها البائسة، وبداية مولد مارلين النجمة، تلخيصًا لكلامي:

لقد خلقت هوليوود فينوس اسطورتها البشرية عوضًا عن فينوس ربة الجمال في الاساطير الرومانية

وعلى اعتبار ان هذا اساس مشاهدتي للفيلم المأخوذ عن رواية تحمل نفس العنوان للكاتبة جويس كارول أوتس، والرواية والفيلم يحملا خطًا من السيرة الذاتية، اي يحوي احداث معروفة اعلامياً عن النجمة السينمائية، ولكن الكاتبة اختارت الجانب النفسي، ومحاولة استبطانه في تلك اللحظات، وبالتالي الرواية ليست سيرة ذاتية بالمعنى الصرف، والكاتبة اضافت البعد النفسي والدرامي للأحداث

والمخرج أندرو دومينيك ايضاً تناول الرواية في وسيط يختلف عنها لنقل الحالات الداخلية المرافقة للمحطات الهامة في حياة مارلين

ونبدأ من السيناريو، كان سردًا غير تقليديًا اي لا توجد حبكة ذات بداية ووسط ونهاية، ونتيجة تتبع سبب، وكذلك لم يكن لحظات لاسترجاع حياة الممثلة في الماضي، ولكن كان سردًا ينحو الي السرد الذاتي عن لحظات شعورية مكثفة الرابط فيما بينهم كان خط تاريخي لأحداث معروفة من حياة مارلين مونرو

بداية من طفولتها، ومعاناة والدتها مع المرض النفسي، وعدم معرفتها لأباها الحقيقي الذي ظل مجرد صورة ايضاً معلقة على الجدران، وعقدة اساسية تسيطر على حياتها، ودخولها دار الايتام، ثم بداية شهرتها، وعلاقتها الفضائحية مع الابن الاكبر لتشارلي شابلين وصديقه إيدي وربنسون، واجهاض حملها الاول، والتحاقها بستوديو الممثل، وزواجها من لاعب البيسبول جو ديمادجيو ثم فضيحة طلاقها، وزواجها من الكاتب المسرحي أرثر ميلر، وتعرضها للاجهاض الثاني، وبداية ادمانها للمهدئات لمساعدتها على العمل، وعلاقتها بالرئيس الامركي جون كينيدي، وصولاً الي انتحارها

بداخل كل محطة من هذه المحطات توجد لحظات شعورية رافقتها، لحظات اظهرت جانب اخر من مارلين، حاول المخرج عكسه سينمائياً في الفيلم

مستوحيا تلك اللحظات من اشهر الصور لمارلين مونرو، لذا كان السيناريو إذا جاز التعبير مجموعة من الصور الربط بينها كان سيرة مونرو

والحكاية توضح الصراع بين نورما جين وهو الاسم الحقيقي للهوية الاخرى وهي مارلين مونرو، طوال الاحداث تصارع نورما شخصية مارلين المصنوعة في هوليوود وفي عقول الجمهور، فهي ترى صورتها على المباني، وتشاهد تمثيلها على الشاشة، وفي المجلات وتردد لمن حولها وتؤكد لنفسها قائلة هذه ليست أنا

التصوير كان نفسياً وذاتيا اكثر لنقل ما قد يمكن ان يكون تحت سطح تلك الصور المشهورة لمارلين، المخرج اختار تنوع في التصوير ما بين الابيض والاسود والالوان الطبيعية في الفيلم، وكذلك التنوع في احجام الاطار، وفي محاولة للربط ما بين الحالات النفسية في المشاهد وعلاقتها بنظام الالوان، فنجد ان المخرج اتجه لتصوير اللحظات الحقيقية في حياة مارلين، والتي كانت اساس لذكرياتها التي كانت تستدعيها احيانا اثناء التمثيل، مع استخدام اسمها الحقيقي نورما جين نظام الالوان الابيض والاسود، اما اللحظات التي تظهر الهوية الاخرى التي تتصارع معها، وتعكس الصورة التي يعتقدها الناس عن نورما طوال الفيلم وهي شخصية مارلين مونرو فكانت مشبعة بالالوان ، مبهرة للعين مثل صاحبتها

وتنوع اختلاط الاحداث الحقيقية، بالخيالات النفسية في نفس المشهد، مثل مشهد اجهاض جنينها الاول، وذلك لنقل الحالة الكابوسية التي ربما كابدت حقيقتها البطلة

والملابس في الفيلم كانت من اشهر اطلالات الممثلة، ولكنها لم تكن على نفس الجودة، للاختلاف الجسماني لكلا الممثلتين آنا دي ارماس ومارلين مونرو، ولكن طالما نحن هنا بصدد صورة تنقل صورة اخرى كما ذكر المخرج في احد اللقاءات ان الصورة هي التي كانت تهمه فقط، فاختيار دي أرماس كممثلة صاعدة، ويجري حالياً تأسيس صورتها وادوار معينة تقوم بادائها مع اختلاف العامل الزمني، فهي تشبه مارلين مونرو كصورة مؤسسة من قبل الجهات والمنصات الاعلامية

وان كانت دي ارماس ممثلة في زمن يغلب عليه الصوابية السياسية، فباختيارها للعب الدور ما كان الا وسيلة لنقل الصورة السالبة الحقيقية الاخيرة عن مأساة صورة مارلين مونرو ، واداء دي ارماس في الفيلم كان تقليد لصورة مارلين، اسلوبها في الحديث، وفي التمثيل ، وفي المشي، كانت تقلد صورة، فتحولت هي بدورها ايضا الي صورة مختلقة لإيصال الصورة التي يريدها المخرج

ومن افضل المشاهد التي رأيتها لادائها، الحوار بينها وبين زوجها المستقبلي جو ديمادجيو، وهي تفصح عن رغبتها في اتقان التمثيل، وتغيير نوعية الادوار التي تلعبها، في هذا المشهد كان القطع تقليديا

بين دي أرماس و بين الممثل بوبي كانفال، واثناء الحديث وعندما ابدى عدم اهتمامه بما تقول حول التمثيل، ومع تغيير حجم اللقطة الي مقربة، تغيرت ملامح دي ارماس وتغير رد فعلها، ثم غيرت الحديث وابدت رغبتها للانتقال الي نيويورك والزواج والاستقرار

كانت لحظة تفكير وتوقع، ورد فعل، تشبه كثيرا ما قالته مارلين مورنرو في دورها في فيلم الرجال يفضلون الشقراوات

انها كانت تلعب دور البلهاء الذي يتوقعه الرجال من مثيلاتها، وهنا دي أرماس ترجمت كلمات مارلين في هذه المشهد وغيره من المشاهد

ولفت انتباهي استغلال جسد الممثلة لعكس الصورة الحقيقية لاستغلال جسد مارلين مونرو، مع زيادة الكشف عن جسد دي ارماس طوال الاحداث، ومع الانتهاك الذي تعرضت له في احداث الفيلم، تحولت الة التصوير من النظرة الذكورية التيساهمت في خلق مارلين الي اظهار جسد تعرض كثيراً للانتهاك ، اصبح قطعة لحم مخضبة بالدماء، تمل من رؤيتها على الشاشة

استغل الفيلم كل مقومات الافلام التجارية، من اسم الممثلة التي ستلعب الدور، وشهرة الممثلة التي ستحيا من جديد في الفيلم، وكثرة المشاهد الاباحية، والتفاصيل الحميمية، والتصنيف الفني للكبار الذي حصل عليه الفيلم، كل هذه المقومات جرى استغلالها لنقل الصورة التي اراد المخرج ايصالها عن صورة تم اختلاقها

وفي المقابل خالف توقعات المشاهدين، واستغل سرد غير تقليدي، ومشاهد مكثفة شعورياً باداء مفرط من الممثلة ، مع طول مدة الفيلم، كل هذا من اجل وضع مسافة بين المشاهد وبين الفيلم، لم يرغب المخرج في خلق تماهي اخر مع صورة اخرى