ليلى والأخرى


الجبل الجنوبي
فيلم مستقل من إنتاج عام 2019، للمخرجة هيلارى بروجر، ومن بطولة تاليا بلسم، سكوت كوهين


تبدأ الأحداث في إحدى ليالي الإجازة الصيفية مع عائلة ليلى، سيدة في أواخر الأربعينيات من العمر، كانت تعمل مدرسة للفنون التشكيلية، متزوجة من منتج تلفزيوني، لديها ابنة في عمر المراهقة، وأخرى ابنة زوجها من زواج سابق، تنقلب حياتها بعدما يقرر زوجها الانفصال عنها بعدما أصبح أبا من علاقة بأخرى تصغرها في العمر

أسباب توصيتي للفيلم هي نفسها الأسباب التي أحاول استكشافها وسبب تفضيلي له
حبكة الفيلم بسيطة وتقليدية، وشاهدت مثلها كثيرا بل وأفضل منها بكثير، لكن هناك دائما ذلك الشعور المُلّح الذي يجعلني أعود إليه مرارا وتكرارا لإعادة المشاهدة

أحداث الفيلم مدفوعة بحدث ميلاد الطفل من عشيقة الزوج، فتواجه الزوجة عواقب الأمر، فيتحول الفيلم ليصبح دراسة لشخصية امرأة تدفعها الظروف للتغيير غصبا عنها

يؤسس الفيلم حالة الاستقرار والسكون في مناظره الأولى للطبيعة الهادئة في المنطقة التي يتواجد فيها المنزل، كما لو كان معزولا عن صخب المدينة، نقابل بعدها بطلة الفيلم ليلى، صاحبة الملامح الهادئة والنظرية الناعمة، امرأة طبيعية تظهر على ملامحها سنها الطبيعي

تحضر لغداء عائلي برفقة عائلتها وجارتهم التي لديها ابنة في نفس المرحلة العمرية لابنة ليلى
عندما يتلقى الزوج اتصالا هاتفيا، ينسحب معتذرا ويختلي بنفسه، ويتابع على هاتفه ولادة ابنه، ندرك نحن المأساة قبل أن تدركها البطلة، وان حياتها الهادئة تلك على وشك أن تتقلقل…


بعد أن يخبرها زوجها بقراره بالانفصال، يبدأ تقسيم الأحداث على مدار أيام متفرقة خلال العطلة، تواجه فيهم ليلى التغير الذي يعصف بحياتها البسيطة الهادئة، فتبدأ بالغضب، ثم الإنكار، والتوهم بقدرتها على التخطي بعلاقة مع صديق ابنة زوجها الذي يصغرها كثيراً في العمر، ثم محاولة الانتقام، وهي محاولة توقفت عندها فهي من شدة تعلقها بالهوية التي منحها إياها الزواج، ومع الخيانة المتكررة للزوج ورجوعه إليها في كل مرة، وإدراكها أخيرا أن هذه المرة تختلف عن سابقتها، قررت الانتقام منه دون مقدمات، حتى تصل في النهاية إلى الاستسلام للأمر الواقع، مع تذكير ابنتيها أن عليها أن تتصرف كأم، وان مسئولية الأمومة هي السبيل لشفاء جرحها النفسي، لذلك مشهد النهاية قد يبدو مبهما لكنه هو الحل، أنها
فقدت زوجا لكنها أم، والحياة تجبرها على التخطي

قدمت المخرجة حالة التقبل الأخيرة في مشهد كان جميلًا في بساطته، بعدما رفضت الفتيات مصالحة الأب أو تقبل قراره، ورفضوا مقابلة شقيقهم الصغير، بعدما أحضره والده خارج المنزل، التفوا حوله، وأدركوا أن والدهم قد يرحل لتقدمه في العمر وهم الباقون لمساندة شقيقهم الصغير، كانت ليلى تشاهد المشهد من بعيد، داخل منزلها، وراء الباب الذي لم يصلحه زوجها، تنسحب تدريجيا للخلف حتى يعمها ظلام المنزل، لتعكس في استسلام قبولها أخيرا لأمر صار واقعا

ربما يرجع السبب وراء إعجابي بالفيلم، إلى الحميمية الموجودة في المنزل، هو منزل متواضع، عادي، أشياء ساكنيه مبعثرة في كل مكان، أشياء تدل على هويتهم، مثل اللوحات الفنية التي رسمتها ليلى
والسكون الذي يغلفه من البيئة المحيطة به، وطبيعة المكان، هناك ألفة ودفء في البيت الذي تحاول أن تحافظ على كيانه البطلة، لهذا تظهر صورتها على الملصق الدعائي للفيلم وهي تحتضنه بيديها

ربما أعجبني الفيلم وتعلقت به بسبب بطلته، والأداء الراقي، السهل الممتنع من الممثلة تاليا بلسم، هي امرأة لاتزال محتفظة بجمالها وجاذبيتها، وأيضا نرى تقدم العمر على ملامحها الهادئة، يسألها في أحد المشاهد الأولى من الفيلم الشاب صديق ابنة زوجها، ماذا تعملين، بعدما تنظر إليه طويلا، ترد عليه، والمرارة تغلف نبرة صوتها، أنا حاليا اعتنق البطالة


بهذه الجملة قدمت لنا الممثلة العيب الذي تنكره الشخصية وعليها أن تواجهه عاجلاً قبل آجلا، السكون في حياتها العملية لاعتمادها على استقرار وهمي لحياتها الشخصية، الذي اختل بقدوم طفل جديد، الذي كان استعارة لحياة جديدة للزوج، وكذلك بالنسبة لليلى التي عليها أن تبدأ باستكشاف نفسها من جديد


قدم لها هذا الشاب نصيحة، أن عليها أن تغادر، أن تترك نفسها لدروب الحياة تعلمها وتتعلم منها، بالمختصر أن تعيش، لهذا جاء عنوان الفيلم (الجبل الجنوبي) الذي هو الوجهة التي يرتحل إليها هذا الشاب، وهو يخبرها بها، كما لو كان لسان حاله يود أن يقول، لقد حان الوقت أن تتركي هذا المكان أيضا وتنطلقين الي هذا الجبل لتقابلي الحياة هناك بانتظارك

ربما أحببت الفيلم لأنني قابلت في حياتي امرأة كانت بلا حول ولا قوة لاتخاذ قرار الابتعاد عن زوجها الذي كانت تتكرر خيانته لها، وكانت راضية بالاستقرار الوهمي الذي يعم منزلها، وزواج منحها هوية لم تعرف في حياتها سواها

كنت اود احتضان ليلى، مثلما كنت اود احتضان تلك المراة، واخبرهن إن الأصعب قد مر، وعليهن الآن النظر بداخلهن لاستلهام القوة، هذه المرأة التي تشبه ليلى ذهبت لأرض أخرى قبل أن أعرفها حق المعرفة، قبل ان نفترق

ليلى جلست أخيرا في النهاية مع ابنتها الصغيرة تشرب معها الشاي، وتعلو على وجهها سكينة التقبل، في وسط الطبيعة الهادئة، والمنزل من خلفهما

ربما سأعود للفيلم مرات أخرى لاكتشاف سر إعجابي به، في يوم صيفي مثل أيام الفيلم، كي أقابل ليلى ومعها المرأة التي رحلت

Author:

Film critic

Leave a comment