القابع وسط الأحجار الرمادية

يوم الخميس الثامن عشر من مايو الماضي، في الساعة السادسة والنصف مساء توقف قلب والدي للأبد، توقف قلبه بعد شهرين من المعاناة والتنقل من مشفى الي اخر، توقف قلب أبي مرتين وعاش بفعل الصدمة الكهربائية في محاولات لانعاشه، إلي ان ودعته ثم توقف قلبه نهائيًا
لم أتعاف نهائيًا من صدمة رحيل والدتي التي رحلت فجأة دون وداع،أما أبي رأيت معه الوجه القبيح للموت، كانت روح والدي تغادر رويدا رويدا كل يوم، ومعه روحي، كنت أموت أمام سريره كل يوم، كل يوم
عقلي لم يستوعب الموت عند رحيل أمي وبقاء أبي إلى جانبي منحنى سبب للعيش، أما الآن فقد تركني هو أيضا وينبغي أن أجد سببا كافيا لتحمل حياة بالكاد أطيقها
يتحدثون عن الفراق وعن سنن الحياة وعن القدر وعن العوض وعن تقبل الأمر أشياء كثيرة، والمفترض أن عقلي يتقبل كل هذا ويمضي في الحياة، يتحدثون ويتحدثون وأنا أصرخ بداخل عقلي “يا أبي انهض من قبرك واجعلهم يصمتوا

لم توجعني الأفلام التي تناولت الموت بقدر فيلم
بين الأحجار الرمادية – Among Grey Stones
للمخرجة الأوكرانية
كيرا موراتوفا
ويدور الفيلم حول قاض فقد زوجته بعد معاناتها مع المرض، فأهمل أطفاله فما كان أمام طفله الصغير سوى التقرب من عائلة من المتشردين يعيشون في كنيسة مهجورة في المقابر، ومن معاشرته لهم يتعلق بفتاة صغيرة وعندما يخطفها الموت منه أيضًا يبدأ الطفل في استيعاب رحيل أمه، وشفقته على حال أبيه

رأيت هذا الفيلم منذ فترة وأبكاني لأني لم أر فيلما آخر يصور ألم الفقدان والتيه في الحياة ومحاولة التأقلم مثله
الآن فهمت مشاهد رغبة الأب في التخلص من أشياء زوجته من حوله، وتكرر سؤاله لابنه عن إذا ما كان يتذكر أمه أم لا، فهمت عدم رغبة الصبي في سماع كلمة متوفية وموت، فهمت صراخ الخالة ومحاولة تماسكها أمام الأطفال، فهمت ترك غرفة الأم على حالها وفتح الباب يوميا للتأكد من بقائها على حالها، فهمت احتضان الصبي لصورة الأم وتقبيله ليديها

صورة الفيلم جميلة (التصوير السينمائي) أجواء البيت الكئيبة، مقابل أجواء المقبرة وروحانيات الكنيسة والإضاءة بداخلها
أداء الطفل الصغير كان بريئا وطفوليا وحزينا، أحببت مشاهده الأخيرة في مواجهة مع الأب وبكائه العفوي أثناء الحديث
أفلام المخرجة صعبة لأن الحوار بها متكرر لإحداث الاغتراب، وقد يكون الحوار ليس له علاقة بصلب الموضوع لاعتمادها في أحيان كثيرة على ارتجالات الممثلين

مع كل مشاهدة أتمنى أمنية مستحيلة، وهي مشاهدة النسخة الأصلية التي لم تتعرض لمقص رقيب الاتحاد السوفيتي، الأمر الذي جعل المخرجة تتبرأ من الفيلم، ورغبتها في وضع اسم شخص آخر عليه بدلا من اسمها
بالنهاية قد يرى البعض هذا الفيلم ليس الأفضل عن الموت، ولكنه كان قاسيا في كل مرة أشاهده فيها
وانتهى منه وجملة الطفل (إن الأحجار الرمادية تمتص الحياة من المرء) عالقة في ذهني

Author:

Film critic

6 thoughts on “القابع وسط الأحجار الرمادية

      1. والله يا رشا أنا اللي عايز أقولك شكرا، مش عارف دي تقريبا أول مرة اكتبلك كومنت وأنا مش بتكلم كتير بشكل عام وتقريبا مش بعرف أو مش بحب استخدم السوشال ميديا
        أنا متابعك من زمان على ليتربوكسد وإنتي من أكتر الناس اللي بتأثر بإنطباعاتها زي ما بتقولي عليها
        وبتعلم منها الحقيقة
        ومتسألنيش ليه كل ده ولا إزاي
        Forgive my depression and empathy

        Liked by 1 person

  1. عايز أقولك حاجة كمان اكتبي انطباعات على قد ما تقدري حتى لو أي حاجة واتفرجي وخدي وقتك براحتك
    طالما في حدود طاقتك النفسية
    And I hope this helps you feel connected
    مش كل الناس بيوصلهم المعنى ده
    وده لا يقلل من شخصهم في شيء والله
    بس هما دايما نصايحهم متمركزة حول الإلهاء، اللي هو تلهي نفسك في أي حاجة وسنة الحياة وكل حاجة هتعدي
    بس بعد كدا عرفت إن في أسلوب تاني اسمه العلاج بالتسامي، وإن الإنسان دايما يركز تفكيره حوالين الحاجات اللي تسمو بذاته وتخلي عنده ذائقة جمالية هتدي معنى لوجوده في الحياة
    وشتان ما بين الطريقين، وأعتقد التاني ده مش لكل البشر زي ما قولت
    وده أكيد بيتجلى في تذوق الأعمال الفنية بشكل عام بل يمكن دي كدا أعمق نقطة في اتصال الإنسان شعوريا وجماليا مع الفن
    ومش عارف هل ممكن إنسان يحس إنه وصل للنقطة دي ولا لأ
    بس أنا دايما بستغرب من نفسي إني بتأثر بالفن كدا وكمان لما اشوفه بيأثر في ناس كدا
    الفن فعلا هو التجلي الأعظم لروح الإنسان

    كومنت غريب وعشوائي يمكن، بس متأكد إنك هتفهميني
    وعذرًا على الإطالة

    Liked by 1 person

Leave a comment